ولا دليل على حرمة كل إضرار بالجسد ما لم يصل إلى حد الجناية على النفس بحيث يعد ظلما لها، كما أن كون طريقة العزاء حضارية أو لا ليس مناطا للحرمة والإباحة ولا قيمة له في مقام الاستدلال، والله العالم).
وقال (فضل الله) في التعليق 21 من الجواب السادس: (أما الجزع فإني أخالفكم في موقفكم منه، لان الحديث الذي يدعو إليه لابد من رد علمه إلى أهله! فالجزع أمر قبيح في ذاته، لا بلحاظ الشخص الذي يجزع عليه، بل بلحاظ أنه صفة غير حسنة في الانسان نفسه، وربما كان على سبيل المبالغة (1).
* * * وأهم ما يورد على كلامه الآتي الايراد الأول: نلاحظ إنه استنكر في الشريط كثرة بكاء الزهراء وشدة حزنها وقال: (أنا لا أتصور الزهراء إنسانة لا شغل لها في الليل والنهار إلا البكاء) واعتبر ذلك مخالفة لقضاء الله وقدره وللصبر، ثم نراه في جوابه الثالث يتحدث عن بكاء الجزع وبكاء العاطفة مع إنه لا يمكن حمل أحد الكلامين على الاخر، فما هي العلاقة بين كثرة البكاء وبين بكاء الجزع وبكاء العاطفة!
الايراد الثاني: في الوقت الذي استبعد فيه أن أهل المدينة كانوا يضجون من بكائها - كما في الشريط المسجل - اعترف في جوابه الثالث بعدم تدقيقه بالروايات المختصة بذلك، فكيف يستبعد أمرا مع جهله به؟ وهل هذا إلا اعتراف بأن استبعاده لم يكن على أساس علمي!
الايراد الثالث: بمراجعة للرواية التي أشار (فضل الله) إليها لم نجد فيها بعض ما ذكره، فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثني العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني يرفعه إلى أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
(البكاءون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له: (تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين)، وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما، أما فاطمة فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين - الترديد من الراوي -، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: