وقفة قصيرة مع (الهوامش):
قال مؤلف (هوامش نقدية): (ولا أدري مدى التزام السيد مرتضى بما يتناقله الرواة على لسان السيدة الزهراء عليها السلام والذي نقله ابن شهر آشوب في مناقبه المصدر السابق للشعر المشار إليه، إذا أنشدت بعد وفاة أبيها أبياتا منها:
وكان جبريل روح القدس زائرنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب) (1) ومؤلف الهوامش لم يفصح عن وجه الاشكال في هذا البيت، ولذا سنجيب عما يكون محتملا في مراده، بعد التأكيد على أن هذا البيت قد ورد بسند صحيح في تفسير القمي وبألفاظ مقاربة حيث جاء فيه:
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب (2) وما يخطر في البال أن المراد من الاشكال أحد أمرين:
الأول: أن جبرائيل عليه السلام وهو ملك الوحي المختص بالنزول على الأنبياء يزور الزهراء عليها السلام وهي مع عظمة مقامها لكنها ليست بنبية، فكيف يصح ذلك؟ وقد مر جواب هذا الايراد مفصلا في فصل مصدر مصحف فاطمة وعند مناقشة اعتراض (فضل الله) ومؤلف (مسائل عقائدية) حول رواية ابن مسعود ضمن فصل نسبة كتاب الاختصاص. هذا مع أنه لا دلالة في أن النزول كان على شخص الزهراء عليها السلام إذ لعله كان بلحاظ آخر كأن يكون النزول إلى شخص النبي صلى الله عليه وآله وينسب النزول إلى جميع أتباعه وخاصة المقربين لديه كالزهراء عليها السلام باعتبار علاقتهم الشديدة بالنبي صلى الله عليه وآله أو لنزول الوحي في بيوتهم، فيكون نزول جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله بمثابة زيارة لهم جميعا. كما أن الوارد في البيت الذي نقله ابن شهر آشوب كلمة (زائرنا) ولا مانع من القول أن يزور جبرائيل عليه السلام الزهراء وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فلا ملازمة بين الزيارة وبين النزول والتحدث إليهم.
الثاني: أن بعث روايات مصحف فاطمة تشير إلى تحدث جبرائيل عليه السلام مع الزهراء عليها السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله مثل صحيحة أبي عبيدة، وهذا البيت يدل على أن جبرائيل قد غاب عن الزهراء عليها السلام بوفاة النبي صلى الله عليه وآله، فلابد من الاعراض عن أحد الرأيين. ويجاب عنه بأن لا دليل على أن الزهراء عليها السلام قد عنت نفسها بعنوانها الخاص من احتجاب جبرائيل وغيابه، فلعل المقصود هو المسلمون بصفتهم العامة وما سيلحقهم من حرمان الخير باحتجاب جبرائيل عليه السلام بما ينزله من أحكام وتشريعات، أما رواية تفسير القمي الصحيحة فهي تدل بوضوح أن وجه الحرمان يعود إلى انقطاع نزول الآيات القرآنية بما تحويه من هداية ورحمة إلهية، وعليه فلا مانع من استمرار نزول جبرائيل عليه السلام إلى الزهراء عليها السلام في غير الآيات القرآنية، وقد ذكرنا في مبحث مصحف فاطمة أن هناك بعض الروايات الصحيحة التي تنفي وجود شئ من القرآن في مصحف فاطمة.