الشهيد الصدر وتحليل فضل الله يقول الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في هذا الخصوص:
(والآن نبدأ بتحليل الموقف عقيب وفاة النبي صلى الله عليه وآله. أمير المؤمنين عليه السلام حينما واجه الانحراف في التجربة قام بعملية تعبئة فكرية في صفوف المسلمين الذين يذهب تفكيرهم إلى أن هذا الوضع الذي قام الان جديدا وضع غير طبيعي، وضع منحرف عن الخط الاسلامي، واستعان بهذا السبيل ببنت رسول الله صلى الله عليه وآله الزهراء عليها السلام لأجل أن يستثير في نفوس المسلمين عواطفهم ومشاعرهم المرتبطة بأعز شخص يحبونه ويجلونه، وهو شخص النبي صلى الله عليه وآله.
إلا أنه لم يستطع أن يستثير المسلمين بالدرجة التي تحول مجرى التجربة ويجعل هناك تبدلا أساسيا في الخط القائم، لم يستطع ذلك، وهذا أمر طبيعي، يعني من الطبيعي أن ينتهي أمير المؤمنين عليه السلام إلى عدم النجاح في القضاء على هذا الانحراف، يكفي لان نفهم هذا أن نلتفت إلى نفس ما أصاب النبي صلى الله عليه وآله وهو الرائد الأعظم صلى الله عليه وآله لهذه الرسالة من قلق وخوف وارتباك في سبيل تركيز خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام، هذا النبي الذي لم يتلكأ ولم يتوقف ولم يتردد على أي لون من ألوان التركيز والعمل في سبيل تلك المهمات، هذا النبي العظيم الذي لم يشعر بالخوف ولم يخفق قلبه بأي لون من ألوان الوساوس والشكوك أو الضعف والانهيار، هذا النبي العظيم وقف حائرا أمام الامر الإلهي في أن يبلغ إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، حتى جاء ما جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله من إنذاره بأن يبلغ وإلا فكأنه لم يبلغ الرسالة. هذه الموانع التي كانت تمنع النبي صلى الله عليه وآله عن تزعم علي بن أبي طالب عليه السلام للتجربة الاسلامية عميقة قوية واسعة، بدرجة أن النبي صلى الله عليه وآله نفسه كان يخشى من أن يعلن عن تشريع هذا الحكم، ليس عن تطبيقه بحسب الخارج عن تشريعه وإعلانه أمام المسلمين.
هذه جهة، والجهة الأخرى حينما أراد أن يسجل هذا الحكم في كتاب المسلمين لأول مرة في تاريخ النبي صلى الله عليه وآله، هذا النبي الذي كان المسلمون يتسابقون إلى الماء الذي يتقاطر من وضوئه. هذا النبي الذي ذهب رسول قريش يقول لهم: إني رأيت كسرى وقيصر وملوك الأرض فما رأيت رجلا انجذب إليه جماعته وأصحابه وآمنوا به وذابوا بوجوده كما ذاب أصحاب محمد في محمد صلى الله عليه وآله. هؤلاء لا يشعرون بوجودهم أمام هذا الرجل العظيم صلى الله عليه وآله في مجلس النبي صلى الله عليه وآله فيقوم واحد منهم فيقول ما يقول مما تعلمون، ثم لا يحصل بعد هذا أي رد فعل لهذا الكلام، فالنبي صلى الله عليه وآله عندئذ يقول:
قوموا عني لا ينبغي الاختلاف في مجلس نبي. المسألة بهذه الدرجة من العنف، الموانع بهذه الدرجة من الشمول) (1).