فلابد من حملها على ما حملنا عليه ما ورد في ذم زرارة ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية وأضرابهم. ويؤكد ذلك أن الاختلاف إنما هو في الروايات التي رويت عن الصادق عليه السلام، وأما ما روي عن الكاظم والرضا عليهما السلام فكلها مادحة على ما تقدم، وهذا يكشف عن ان القدح الصادر عن الصادق عليه السلام إنما كان لعلة ويكفي في جلالة المفضل تخصيص الامام الصادق عليه السلام إياه بكتابه المعروف بتوحيد المفضل، وهو الذي سماه النجاشي بكتاب فكر، وفي ذلك دلالة واضحة على أن المفضل كان من خواص أصحابه ومورد عنايته) (1).
فقول هؤلاء الاعلام يدل على أن علمائنا الأبرار (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) لم يكونوا يعتمدون في تصحيح الرواية على النظر في الأسانيد فقط والاكتفاء بما يذكره الرجاليون من التوثيقات الواردة في حقهم، بل كانوا يلاحظون الرواية ومجموع ما تضمه من قرائن بحيث يستوجب ذلك اطمئنانا بالصدور.
ويمكن تقسيم القرائن التي تشهد بصحة الخبر إلى نوعين:
أ - القرائن الداخلية:
ويمكن القول إن من القرائن الداخلية ما يلي:
1 - اشتمال الرواية على المواعظ الأخلاقية الرفيعة التي يضعف العقل البشري الاعتيادي عن إخطارها - وبمراتب دانية - في تفكيره، وكذلك الأدلة العقلية المتينة على توحيد الله وبعثة الأنبياء. ولهذا نجد أن أبا منصور الطبرسي في مقدمة كتاب الاحتجاج يبرر عدم ذكره لأسانيد أحاديثه بقوله: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الاخبار بإسناده إما لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه) (2).
فإن الأساس في ذكر الأحاديث الدالة على وجود الله وغير ذلك مما يحتاج في الاستدلال عليه إلى الأدلة العقلية هو مدى احتوائها على البرهان والحجة، فلو كان الحديث مفتقرا إلى السند الصحيح مع إرشاده للدليل العقلي والبرهان الواضح فإنه سيؤدي إلى المطلوب، أما إذا كان الحديث قاصرا عن إثبات المطلوب بالحجة الدامغة - على سبيل الفرض والاحتمال - فإنه لن يكون مجديا وإن ورد بالسند الصحيح.
وعلى سبيل المثال روى الشيخ الكليني (قدس سره) في الكافي في باب (أنه عز وجل لا يعرف إلا به) من كتاب التوحيد عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (سئل أمير المؤمنين عليه السلام: بم عرفت ربك؟ قال: بما عرفني نفسه، قيل: وكيف عرفك نفسه؟ قال عليه السلام: لا يشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا