فهذا جانب تظهر فيه أهمية العقد القلبي أكثر من العمل، ولا نعني أن هذا تقليل لقيمة العمل أو أنه دعوة لان يترك الشخص العمل كلية بحجة أنه معتقد ومصدق بالعقيدة الحقة، فيقع في التهاون والتسويف والاستخفاف. ولكن الغرض بيان أن الشخص لو كان مكثرا من العمل الصالح كالصلاة والصوم والجهاد وغير ذلك ولم يملك العقيدة الصحيحة فإن عمله سيكون هباء منثورا وسيكبه الله على منخريه في نار جهنم، أما إذا كان مقلا من العمل ومرتكبا للمعاصي أحيانا مع اعتقاده بالمذهب الحق فإن حاله ستكون أفصل من سابقه سواء بتخفيف العقاب الأخروي عنه أو بإسقاطه كلية عنه بلطف من الله عز وجل.
لا عقد من دون معرفة والعقد القلبي لا يتم كما هو واضح بالوجدان من دون المعرفة، فإن الانسان لا يعتقد بشيء من دون سبق معرفة له، وليس من الجزاف القول بأن أساس الايمان قائم في الدرجة الأولى على المعرفة التي يبتني عليها العقد القلبي، ولذا بنت بعض الروايات قبول الاعمال على المعرفة لا على الاعتقاد وذلك بلحاظ ابتناء الاعتقاد عليها، وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام إنه قال: (لا يقبل عمل إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، ومن عرف دلته معرفته على العمل، ومن لم يعرف فلا عمل له) (1). وروى الكليني في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام حديثا بنفس هذا النص ولكن باستبدال عبارة:
(ومن لم يعرف فلا عمل له) بعبارة: (ومن لم يعمل فلا معرفة له)، مع إضافة عبارة في آخره وهي: (ألا إن الايمان بعضه من بعض) (2). وفي هذه الرواية تأكيد لما ذكرناه في أول البحث من ابتناء الايمان الكامل على اجتماع العناصر الثلاثة معا وأن الايمان الصحيح والكامل مبتن على التداخل فيما بينها.