وهو يدل أيضا على أن الخلاف وقع بين محدثي أهل السنة في أنهم أخرجوا الامام علي عليه السلام من البيت أم لا؟ وهو أمر طبيعي منهم حيث يسعون إلى التستر على اقتحام البيت لعلمهم أن ذلك يفتح سيلا من الأسئلة حول ما يرويه الآخرون عما جرى في عملية الهجوم على الزهراء البتول عليها السلام.
وروى ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز أنه روى عمن قال: (لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة عليها السلام، وقال: يا بنت رسول الله، ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمعاني إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم. فلما خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أن عمر جاءني، وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف له، فانصرفوا عنا راشدين، فلم يرجعوا إلى بيتها، وذهبوا فبايعوا لأبي بكر) (1).
ونؤكد هنا مرة أخرى أن وجود بعض العبارات التي قد يكون فيها شيء من التحريف لا يعني إلغاء كل الخبر لما ذكرناه أن العدو يسعى دوما إلى رواية ما فيه السلامة والتكتم على ظلامات أهل البيت عليهم السلام ومطاعن أعدائهم، ولا مانع لديه من إضافة بعض الأكاذيب ودسها.
ورواية ابن قتيبة للهجوم:
وبعد ما نقله ابن قتيبة في الإمامة والسياسة أقوى دليل على أنه لم يكن في بيت فاطمة أحد من الرجال عندما أخرجوا الامام علي عليه السلام، فقد ذكر أن (أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة، فقال: وإن، فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا، فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا. قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة، قال: