أحدهما اختلافهم في المعرفة وحب الدنيا، فإن أكثر الناس ليهم لهم من معرفة الله إلا ما قرع أسماعهم من كونه متصفا بصفات كذا وكذا، من دون وصول إلى حقيقة معناها، وإلى اعتقادهم بأن الموجودات المشاهدة صادرة عنه، من غير تدبر في عجائب القدرة وغرائب الحكمة المودعة فيها، وأما العارفون فلهم الخوض في بحر التفكر والتدبر في أنواع المخلوقات، واستخراج ما فيها من الحكم الخفية، والمصالح العجيبة التي كل واحد منها كمشعلة في إزالة ظلمة الجهل، والهداية إلى كمال عظمة الله، ونهاية جلاله وكبريائه، فمثل الأكثرين كمثل عامي أحب عالما بمجرد استماعه أنه حسن التصنيف، من دون علم ودراية بما في تصانيفه، فتكون له معرفة مجملة، ويكون له بحسنه ميل مجمل، ومثل العارفين كمثل عالم فتش عن تصانيفه، واطلع على ما فيها من دقائق المعاني وبلاغة العبارات...، ثم كما ان دقائق الحكم وعجائب القدرة غير متناهية ولا يمكن لاحد أن يحيط بها، وإنما ينتهي كل إلى ما يستعد له، فينبغي أن تكون مراتب الحب أيضا غير متناهية، وكل عبد ينتهي إلى مرتبة تقتضيها معرفته) (1).
معرفة مقامات أهل البيت عليهم السلام من موجبات التفاضل ومن جوانب المعرفة المهمة التي بها يتفاضل المؤمنون في درجات الايمان معرفة مقامات أهل البيت ومنزلتهم عند الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا الأساس ما روي أن سلمان الفارسي قال لأمير المؤمنين عليه السلام: (بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان، والله لولا أن يقول الناس واشوقاه، رحم الله قاتل سلمان، لقلت فيك مقالا تشمئز منه النفوس) (2).
وروى الكشي بسنده عن خطبة لسلمان المحمدي جاء فيها: (ألا يا أيها الناس اسمعوا مني حديثي ثم أعقلوه عني فقد أوتيت العلم كثيرا، ولو أخبرتك بكل ما قد أتيت لقالت طائفة مجنون، وقالت طائفة أخرى، اللهم اغفر قاتل سلمان) (3).
وروى الكليني بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ذروة الامر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للامام بعد معرفته) (4).
ونظرا لتفاوت المؤمنين في هذا الجانب نجد أن بعض أصحاب الأئمة يتهمون بأبشع التهم وأشنعها لمجرد روايتهم بعض ما لا يستسيغه ولا يتقبله ذوو العقول الضعيفة، فقد روى الكشي بسند صحيح عن حمدويه، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، قال: دخلت المسجد حين قتل الوليد فإذا الناس