فإن ظهور هذه الأحاديث يدل على تقدمها على من سواها، وخصوصية التقدم إنما تنبعث من إفرادها دون من سواها في الذكر والفضل والسيادة وخصوصا مع ملاحظة بعض القرائن الملتفة بالخبر، منها أن الآية التي تذكر اصطفاء مريم عليها السلام على نساء العالمين وردت ضمن سورة مريم وهي مكية بالاتفاق، وأحاديث كون فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين صدرت عن النبي في المدينة بلا شك، ومنها مجيء الملك وتبشيره النبي صلى الله عليه وآله بأن فاطمة عليها السلام هي سيدة نساء أهل الجنة، فإن السيادة في الجنة يتبع مقام السيادة والقرب من الله في الدنيا، وهذا ما تقتضيه مناسبة قدوم ملك من السماء لإتحاف النبي بهذه البشارة.
روايات أهل السنة الناصة على التفضيل إلا أنه توجد مجموعة من الأحاديث النبوية أكثر ظهورا مما سبق، حيث تقوم بالتفضيل في مسألة السيادة بين العوالم، أي أن تفضيل الزهراء عليها السلام له شمول زماني يعم كل الأزمنة بما في ذلك فترة السيدة مريم عليها السلام، أما تفضيل مريم بالسيادة فهو مخصوص بنساء أهل زمانها فقط.
ومما يشهد بذلك ما رواه ابن شاهين البغدادي المتوفى سنة 385 ه بإسناده عن عمران بن حصين قال:
(خرجت يوما فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قائم، فقال لي: يا عمران إن فاطمة مريضة، فهل لك أن تعودها؟ قال: قلت فداك أبي وأمي، وأي شرف أشراف من هذا، قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فانطلقت معه حتى أتى الباب، فقال: السلام عليك، أدخل؟ قالت: وعليك السلام، ادخل، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أنا ومن معي؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما علي إلا هذه العباءة، وقال: ومع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مادة خلقة فرمى بها، فقال: شدي بها على رأسك، ففعلت، ثم قالت: ادخل، فدخل ودخلت معه، فقعد عند رأسها وقعدت قريبا منه، فقال: أي بنية كيف تجدينك؟
قالت: والله وبرسول الله إني لوجعة، وإنه ليزيدني وجعا إلى وجعي أن ليس عندي ما آكله، قال: فبكى رسول الله وبكت وبكيت معهما، فقال لها: يا بنية اصبري مرتين أو ثلاثا، ثم قال لها: يا بنية، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، قالت: يا ليتها يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: أي بنية تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة، لا يبغضه إلا كل منافق) (1).