فإذا كان امام المحدثين يقوم بتقطيع الأحاديث وهو شكل من اشكال التحريف وخيانة الأمانة (1) لمجرد اخفاء ما يشعر بجهل عمر، فكيف سيكون الحال بالنسبة للفضائح الأعظم؟
وبناء على ذلك فلا بد للباحث والمحقق الذي يسبر غور التاريخ طلبا للحقيقة ان يدقق في كل عبارة لينتقل بها إلى ما أخفي، وعليه ان لا يدع انصاف الحقائق التي خجل ناقلوها من انكارها فاضطروا لذكرها ليتكتموا على النصف الأهم.
تعتيم محدثي السنة والشيعة فيما جرى على الزهراء سلام الله عليها!
وفيما يرتبط بموضوع البحث - أي مسألة اعتداء عمر وجماعته على الزهراء سلام الله عليها - نلاحظ انها شهدت تعتيما شديدا من قبل مؤرخي العامة ومحدثيهم، ولم يتمكن محدثو الشيعة ورواتهم بل والرواة من غير الشيعة ان يذكروا ما جرى على الزهراء من الظلم الا في بعض الفترات اليسيرة التي كان يضعف فيها الظلم والبطش والتنكيل بمن يذكر فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم.
وسنتطرق إلى مثالين لكل من محدثي الشيعة والسنة الذين لم يفصحوا في كلامهما بصراحة عما جرى على الزهراء، ولكن مع اختلاف الدواعي من باب التقية أو التستر على الفضائح.
المثال الأول: ما ذكره أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي (المتوفي سنه 693 ه) في الفصل الذي عقده لوفاه الزهراء سلام الله عليها حيث قال: (وقد جمع الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي نزيل الري (رحمه الله) من أصحابنا كتابا مقصورا على مولد فاطمة سلام الله عليها وفضائلها وتزويجها وظلامتها ووفاتها ومحشرها صلوات الله على أبيها وعليها وعلى بعلها وعلى الأئمة من ذريتها، وانا اذكر على عادتي ما يسوغ ذكره... وقد ورد من كلامها عليها السلام في مرض موتها ما يدل على شده تألمها وعظم موجدتها وفري شكايتها ممن طلمها ومنعها حقها أعرضت عن ذكره، وألغيت القول فيه ونكبت عن ايراده، لان غرضي من هذا الكتاب نعت مناقبهم ومزاياهم وتنبيه الغافل من موالاتهم، فربما تنبه ووالاهم ووصف ما خصهم الله به من الفضائل التي ليست لاحد سواهم، فاما ذكر الغير والبحث عن الخير والشر فليس من غرض الكتاب، وهو موكول إلى يوم الحساب، والى الله تصير الأمور) (2).
والناطر في هذه العبارة يوقن ان الأربلي كان في مقام ووضع لم يسمح له بالتطرق إلى ما جرى عليها من الظلم وخصوصا مع ملاحظه ان الشيخ الصدوق ذكر عده روايات في كتبه المختلفة عما جرى على الزهراء سلام الله عليها من كسر الضلع ولطم الوجه،