الثاني: إن الزهراء عليها السلام لم تكن تتوقع أن يدخل القوم عليها ويقتحموا دارها، وقد جاء بهذا المضمون ما رواه العياشي نقلا عن لسان الراوي: (فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره... الخ) (1).
(لا ترى الرجال) و (تتحدث معهم بشكل طبيعي)...!
والعجيب أن (فضل الله) تثبيتا لشبهته يقول هنا: (الزهراء عليها السلام ليش هي تفتح الباب، مخدرة، التي لا ترى رجلا)، وهو الذي كان بالأمس القريب قد قال - كما هو في الشريط المسجل -: (إن المسألة إذا كان خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا يراها الرجل كيف انطلقت الزهراء وكانت تلتقي بالرجال في الأزمة، وحتى في غير الأزمة كانت تتحدث مع الرجال...، كما يروي المؤرخون أن أبا بكر وعمر استأذنا عليا في أن يزورا الزهراء عليها السلام في بيتها ليتحدثا معها لأنهما سمعا أنها غاضبة عليهما، واستأذنا عليا في ذلك، وقالت له البيت بيتك، وجاءا وجلسا إليها وتحدثا معها وتحدثت معهم بشكل طبيعي)!
فانظر كيف يستخدم (فضل الله) مضمونين متضادين في اتجاهين متعاكسين بفرض الاستدلال بهما على آرائه الاستحسانية، وليس من المبالغة ما يقال أنك تجد أجوبة ما يصدر عن (فضل الله) من شطحات من نفس كلماته.
هذا، بالرغم من أن تحدث الزهراء عليها السلام لا يتنافى مع التزامها الخدر فإن ذلك كان من وراء الباب ولم تخرج هي بنفسها في وسط الرجال، وكان تحدثها من باب الضرورة القاضية بدفع العدوان، فإن سلمنا بكون تحدث المرأة مع الرجال مكروها كما هو رأي البعض - بل ومحرما على سبيل الافتراض - فإن من المتفق عليه بين الفقهاء أن الضرورة رافعة للكراهة، وهل هناك ضرورة أكبر وأشد من الدفاع عن أمير المؤمنين عليه السلام ودفع العدوان عمن يريد إحراق البيت على من فيه؟ وهل يريد (فضل الله) عبر إثارة شبهة منافاة تحدث الزهراء مع عمر للخدر أن يشكك في أصل التهديد الصادر من عمر بإحراق البيت؟! فإن كثيرا من مصادر قصة الاعتداء سنية كانت أو شيعية اعترفت بوجود حوار قد دار بين الزهراء عليها السلام وعمر.
لا دخل بها بالخلافة ولها دخل أيضا!
أما استنكار (فضل الله) لضرب القوم فاطمة عليها السلام باعتبار أن المسألة تتعلق بالخلافة - فالمفروض أن يكون المستهدف هو الامام علي عليه السلام ومن تحصن في بيته، فهم المعارضون المتمردون على الخلافة - وليس للزهراء عليها السلام دخل في ذلك فليس في محله وباطل لوجوه: