بأجمعنا حتى أتى منزل فاطمة عليها السلام فقرع الباب قرعا خفيفا، فخرج إليه علي بن أبي طالب عليه السلام وعليه شملة، ويده ملطخة بالطين فقال له: يا أبا الحسن حدث الناس بما رأيت أمس. فقال علي عليه السلام: نعم فداك أبي وأمي يا رسول الله، بينما أنا في وقت صلاة الظهر أردت الطهور فلم يكن عندي الماء، فوجهت ولدي الحسن والحسين في طلب الماء، فأبطيا علي، فإذا أنا بهاتف يهتف: يا أبا الحسن أقبل على يمينك، فالتفت فإذا أنا بقدس من ذهب معلق، فيه ماء أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل، فوجدت فيه رائحة الورد، فتوضأت منه، وشربت جرعات ثم قطرت على رأسي قطرة وجدت بردها على فؤادي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل تدري من أين ذلك القدس؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم، قال: القدس من أقداس الجنة، والماء من تحت شجرة طوبى - أو قال: من نهر الكوثر - وأما القطرة فمن تحت العرش. ثم ضمه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدره وقبل ما بين عينيه، ثم قال: حبيبي من كان خادمه بالأمس جبرائيل عليه السلام فمحله وقدره عند الله عظيم) (1).
د - الوجه الرابع: العروج بأمير المؤمنين إلى السماء أمر لا يقبله العقل ولا يستسيغه المنطق، وهو على أقل تقدير أمر مستبعد جدا.
جواب الوجه الرابع:
أولا: ليس في ذلك أي استبعاد على مستوى الامكان العقلي، أما وقوعا فقد وقعت للنبي ولعيسى بن مريم - على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام -، قال تعالى: (قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) (2)، وعلي بن أبي طالب عليه السلام أفضل من عيسى عليه السلام كما هو صريح ما جاء في أقوال العديد من فطاحل علماء الطائفة، وقد مر علينا في مبحث منزلة الزهراء كلام الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد في ذلك. وعلى هذا فلا يستبعد أن يخص الله تعالى الفاضل بالمكرمة التي خص بها المفضول، وبالطبع فإننا لسنا هنا - كما أشرنا إليه سابقا - في صدد إثبات صحة صدور خبر عروج أمير المؤمنين إلى السماء لكي يعترض علينا بضعف سنده أو بضعف المستند، بل إننا نريد مناقشة متنه من جهة منافاته مع العقل أو عدم منافاته فقط.
ثانيا: إن عليا عليه السلام هو نفس النبي صلى الله عليه وآله بحكم آية المباهلة باتفاق الشيعة الامامية قاطبة، ومن غير البعيد ع لي الله أن يخصه بمثل هذه الكرامة، فإذا لم يكن العروج للنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء غير معقول فلم لا يكون كذلك بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام؟!