منزلة أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن معرفة جانب من معاني هذا الحديث يتوقف على معرفة منزلة ومقام أمير المؤمنين عليه السلام، وبما أن الولوج في هذا المبحث لن توفيه كتب مستقلة، لذا أكتفي بسرد بعض أقوال واستدلالات علمائنا في هذا الصدد على نحو الاختصار الشديد.
فقد ألف الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد (المتوفى سنة 449 ه) رسالة خاصة عقدها لبيان هذا الامر، والرسالة على صغر حجمها غنية في محتواها متينة في استدلالها، وقد قال فيها: (الذي نذهب إليه في ذلك، هو أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أفضل من جميع البشر ممن تقدم وتأخر، سوى رسول الله صلى الله عليه وآله. وعلى هذا القول، إجماع الشيعة الامامية، ولم يخالف فيه منهم إلا الأصاغر الذين حادوا عن الطريق المعروفة بما هم عليه من إهمالهم أو محافظة عن أهلها، وأنا أذكر ما عندي من الأدلة بعد تقرير أصل في هذه المسألة) (1).
ولاحظ قوله: (بما هم عليه من إهمالهم أو محافظة عن أهلها) فهو يعين على معرفة ما قد يوجد لدى القلة القليلة من علمائنا من كلمات متوقفة في مقام التفضيل.
وذكر العلامة الحلي في (مناهج اليقين) استدلالا على أفضلية أمير المؤمنين على الملائكة، وقد ابتنى استدلاله على آية المباهلة (2)، وغير خلفي له لمن راجع كلامه أن استدلاله كما هو قابل للجريان في تفضيل علي عليه السلام على الملائكة وبقية أمة النبي صلى الله عليه وآله، فكذلك هو صالح للاستدلال على أفضليته على جميع الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بما فيهم الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم آلاف الصلاة والسلام (3).
وروى الشيخ الصدوق في عيون الاخبار عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب وجعفر بن محمد بن مسرور، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت قال: (حضر الرضا مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان،...)، والحديث طويل ومما جاء فيه:
أن الامام سأل العلماء الحاضرين في المجلس: (فهل تدرون ما معنى قوله: (وأنفسنا وأنفسكم)؟ قالت العلماء: عنى به نفسه، فقال أبو الحسن عليه السلام: لقد غلطتم، إنما عنى بها علي بن أبي طالب عليه السلام، ومما يدل على ذلك قول النبي: لينتهين أبو لهيعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يعني علي بن أبي طالب عليه السلام، وعنى بالأبناء الحسن والحسين عليهما السلام، وعنى بالنساء فاطمة عليها السلام، فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق، إذ جعل نفس علي كنفسه) (4).