الثالث: تحديد النساء اللاتي فضلت مريم عليها السلام عليهن بنساء زمانها، وتفضيل الزهراء عليها السلام على نساء جميع الأزمنة بما في ذلك النساء في زمن مريم عليها السلام وبمريم أيضا، وقد نطقت بهذا مجموعة من الروايات مر بعضها في روايات أهل السنة، وهي كثيرة في روايات الشيعة وسيأتي التعرض لها.
وليس في هذا الوجه الأخير أي غرابة فقد استخدمه المفسرون من السنة والشيعة في مواضع أخرى من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) (1).
قال الشيخ الطوسي: (قال أكثر المفسرين: أنه أراد الخصوص، ومعناه عالمي زمانهم، ذهب إليه قتادة والحسن وأبو الغالية ومجاهد وغيرهم، وقال بعضهم: إذا قلت: فضل زيد على عمرو في الشجاعة لم يدل على أنه أفضل منه على الاطلاق ولا في جميع الخصال، فعلى هذا يكون التخصيص في التفضيل لا في العالمين، وأمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله أفضل من أولئك بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وعليه إجماع الأمة، لأنهم أجمعوا على أن أمة محمد صلى الله عليه وآله أفضل من سائر الأمم، كما أن محمدا صلى الله عليه وآله أفضل الأنبياء من ولد آدم) (2).
وقد مر علينا تفسير القرطبي لكلمة العالمين في هذه الآية بالجم الغفير من الناس.
ولكن القرطبي الذي ذهب إلى تفضيل مريم عليها السلام من آية الاصطفاء تناسى أنه قال قبلها في هذه الآية: (يريد عالمي زمانها، وأهل كل زمان عالم) (3). وليس هذا عنه ببعيد، إذ لم تكن المرة الأولى التي يتناقض في كلامه، (وعادت لعترها لميس).
ثانيا: من منظار مذهب أهل البيت عليهم السلام لم يرد ضمن أقوال علمائنا المتقدمين منهم أو المتأخرين ما يدل على أن هناك امرأة أفضل من فاطمة عليها السلام، أما في أحاديثنا فقد وردت رواية واحدة فقط قد يظهر منها أفضلية مريم على الزهراء عليها السلام.
فقد روى الشيخ الطوسي عن جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن أسد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة، عن محمد بن عكاشة، عن أبو المغرا، عن يحيى بن طلحة وعن أيوب بن الحر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام: (إن فاطمة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ألا ترضين أن زوجتك أقدم أمتي سلما، وأحلمهم حلما، وأكثرهم علما، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا ما جعله الله لمريم بنت عمران، وإن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة) (4).