وبالطبع فإننا لا نريد - وكما أسلفنا سابقا - أن نحصر الحقائق التاريخية بما جاء مذكورا بسند صحيح من كتبنا، فهي تستنبط بمعونة القرائن حتى بما جاء في أحاديث أهل السنة بسند ضعيف أو مرسل فضلا عما جاء في كتبنا، ولكننا أحببنا التنبيه على أن (فضل الله) لو أراد الالتزام بما يطرحه كمنهج في التعامل مع نهج البلاغة فإنه لا يصحح له الاستناد إليه إلا بعد أن يثبت أن الحديث المذكور فيه صحيح سندا، بل إنه بناء على قبول الخبر الموثوق به لا يعني ذلك قبول أي خبر أو رده من دون قرائن وشواهد بحيث يكون القبول أو الرد معتمدا على الانتفاء المزاجي.
2 - إن كون أمر ما قبيحا عند العرب لا يعني التزام كل العرب بالتجنب عنه، فإنك لا تجد في العالم على مدى التاريخ أمة التزمت جميع أفرادها بالتجنب عما هو مشين وعار لديها، فقبح أمر شيء وعدم ارتكابه واقعا أمر آخر، ونفس كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة يدل على أن بعض العرب كان يضرب النساء ولذا كان العرب يعيرون الضارب أو الأعقاب بفعل آبائهم. فنفس عادة قبح ضرب المرأة صدرت من نفس الشخص الذي يشكك (فضل الله) في ضربة للزهراء عليها السلام، فلم يكن ضرب عمر للنساء أمر جديدا حتى نقول بعدم تقبل عقولنا ووجداننا له، فقد صدر منه شرب النساء في عهد النبي صلى الله عليه وآله بمرأى منه ومن باقي الصحابة والنساء.
ضرب عمر للنساء بمحضر النبي صلى الله عليه وآله:
فقد روى أحمد بإسناده إلى ابن عباس أنه قال: (لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته: هنيئا لك يا ابن مظعون بالجنة، قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نظرة غضب، فقال لها: ما يدريك فوالله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي، قال عفان (1): ولا به، قالت: يا رسول الله فارسك وصاحبك، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حين قال ذلك لعثمان، وكان من خيارهم، حتى ماتت رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال ألحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، قال: وبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعمر: دعهن يا عمر يبكين، وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: مهما يكون من القلب والعين فمن الله والرحمة، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان، وقعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي، فجعل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها) (2). وكذلك رواه أحمد بن حنبل قريبا من مضمونه عن ابن عباس أيضا، ولكن فيه أن المتوفى هو زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد عمر وقال له: