الله فداك، قال عليه السلام: قل، فأنشدته فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع إلى وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت الملائكة المقربون قولك في الحسين عليه السلام، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر... إلى أن قال: ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى إلا أوجب الله له الجنة وغفر له. وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثا عن الصادق عليه السلام جاء فيه: وكان جدي علي بن الحسين عليه السلام إذا ذكره - يعني الحسين عليه السلام - بكى حتى تملأ عيناه لحيته، حتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وأدى حقنا) (1).
وإن من يتمعن في كلام السيد شرف الدين (رضوان الله عليه) وخصوصا فيما فعله نبي الله يعقوب عليه السلام والإمامان السجاد والرضا عليهما السلام يجد ما يغني للرد على شبهة منافاة كثرة البكاء للصبر.
الايراد الثامن: ارتكز إنكار (فضل الله) لكثرة بكاء الزهراء عليها السلام على استلزام ذلك للجزع، وبما أن الجزع أمر قبيح في حد ذاته - كما يزعم - فلذا لا يمكن صدوره عن المعصوم عليه السلام، وبالتالي يكون كل ما ينسب إلى المعصوم من روايات تدل على صدور الجزع منه باطلا، أما ادعاؤه بعدم إمكان صدور ما يشبه الجزع من المعصوم فلم نعرف له وجها، لان الحرمة أو الكراهية في كلمات فقهائنا متوجهة إلى خصوص الجزع لا إلى ما يشبه الجزع!
ثم إنه يمكن مناقشة هذا الزعم صغرويا وكبرويا.
أما من ناحية الصغرى، فمن أين ل (فضل الله) أن يثبت بالدليل أن البكاء الكثير الذي يأخذ معظم وقت الانسان من مصاديق الجزع، وإذا كان يمكنه أن يرفض رواية البكائين الخمسة بحجة ضعفها السندي فما الذي سيفعله مع بكاء النبي يعقوب وقد ذهبت عيناه من كثرة البكاء كما نص على ذلك القرآن الكريم؟! فهل سيحذف هذه الآية من القرآن لأنها تدل على صدور الجزع من النبي المعصوم؟! أم أنه سيغير رأيه في عصمة الأنبياء عليهم السلام؟! وما هو الفرق بين كثرة بكاء يعقوب عليه السلام المستوجب لفقدان أحد حواسه لمجرد فراق ابنه مع علمه أنه على قيد الحياة وبين كثرة بكاء فاطمة عليها السلام على فقدان أعظم إنسان على وجه البسيطة بحيث لا يكون الأول من مصاديق الجزع ويكون الثاني من أفراده؟ فهل إنكار كثرة بكاء الزهراء عليها السلام ناشئ عن استدلال وبرهان أم استمزاج واستحسان؟!
أما من ناحية الكبرى فإنه وإن ثبت بالدليل أن الجزع من الأمور المحرمة غير أنه لا يوجد دليل يقول بقبحه الذاتي بحيث يستقل العقل في إثبات قبحه كاستقلاله بحسن