فليس بغريب والحال هذه أن تكون السيدة فاطمة عليها السلام قد جمعت قسما مما سمعته منه ومن زوجها في التشريع والاخلاق والآداب وما سيحدث في مستقبل الزمان من الاحداث والتقلبات، وقد ورث الأئمة من أبنائها في جملة ما ورثوه عنها هذا الكتاب واحدا بعد واحد). ثم ساق رواية أبي بصير، ثم أعقبها برواية الحسين بن أبي العلاء، وبعد أن نقل قسما منها قال: (وحتى لا يلتبس الامر على أحد ويظن ظان أن كلمة مصحف تعني قرآنا غير الموجود بين أيدي الناس، أو يستغل أحد هذا الاسم فيفسره بغير واقعه بقصد التشويه والتضليل، قال الامام عليه السلام: ما أزعم أن فيه قرآنا بل فيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى أن فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش) (1).
وفي كلامه مواقع للنظر قد مرت الإشارة إليها، وما يهمنا هنا هو التنبيه على أن السيد هاشم معروف قد أضافوا سهوا لكلمة (بل) إلى الرواية، ولا يخفى مدى تأثير إضافة هذه الكلمة في مدلول الرواية.
مناقشة رواية حبيب الخثعمي:
والجواب عن شبهة فضل الله وهذا الادعاء في دلالة الرواية على اشتمال مصحف فاطمة على الاحكام الشرعية يتم بما يلي:
أما أولا: فلما مر من ضعف السند فلا يمكن لهذه الرواية أن تعارض ما ثبت بالسند الصحيح، لان اللاحجة لا تعارض الحجة. ولكن فضل الله يحاول دوما أن يستفيد من الرواية التي يكون مضمونها في صالحه ويقبلها وإن كانت ضعيفة ما دامت تؤيد رأيه الاستحساني بحجة أنه يكفي في الوثوق عدم وجود ما يدعو إلى الكذب، وأما عندما يكون مضمونها مخالفا لذوقه ومشربه نجده يردها محتجا بضعف سندها! بل إنه بناء على تضعيف عمر بن عبد العزيز فإن المتحصل هو موجود روايتين ضعيفتي السند متعارضتين من حيث المضمون والمتن، ومع تعارضهما فلا يحصل الوثوق حتى لو قلنا بحجية الخبر الموثوق به، ومعه فلا يمكن القول بوجود الحلال والحرام في مصحف فاطمة، بل إن خبر عمر بن عبد العزيز في حكم النص قبال رواية حبيب الخثعمي، وعلى فرض التنزل فهو أظهر منه، ومن المعلوم أن لا تعارض بين النص والظاهر أو بين الأظهر والظاهر، ولو تنزلنا أكثر فالاجمال متحقق فلا يكون في المسألة دليل على الاثبات أو النفي. ومن هنا يعلم وجه الضعف في قول مؤلف (هوامش نقدية): (ومهما يكن من أمر فإن الروايات لا تستبعد أن يكون في مصحف فاطمة أحكام شرعية، بل الظاهر من بعضها ذلك كما اعترف به العلامة المجلسي، نعم رواية حماد هي وحدها التي تستبعد ذلك وقد أشرنا إلى أنها ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها) (2).