ثالثا: اعتبار مثل هذه المعجزات والكرامات من اللامعقول سيجعلنا نرفض معظم ما جاء من معاجز الأنبياء عليهم السلام أيضا بنفس هذه الحجة.
والذي يظهر لنا أن منشأ هذه الآراء الباطلة لفضل الله هو عدم قدرته على استيعاب وفهم وتحديد المعقول من اللامعقول، إذ أن المقام مما لا مجال لانكار إمكانه عقلا، والامكان العادي ليس هو المناط، لان المقام هو مقام المعجزة التي كانت خارقة للامكان العادي.
الشيخ المفيد يرد على الاعتراض وأفضل جواب لمثل هذه التخرصات هو إيكالها إلى ما ذكره الشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليه) في مواضع عديدة من كتاب الارشاد ضمن ما أورده من معجزات أمير المؤمنين عليه السلام، ونحن ننقله كاملا - مع ما فيه من الإطالته - لما فيه من الجواب القاطع الذي يميز الحق من الباطل، لتكون الحجة تامة بعد ذلك على من جانب الحق، (وإنه لعالم بمنابت القصيص).
قال في الفصل الذي عقده لمعجزة قتاله مع الجن:
(ومن ذلك ما تظاهر به الخبر من بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى وادي الجن. وقد أخبره جبرائيل عليه السلام أن طوائف منهم قد اجتمعوا لكيده، فأغنى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكفى الله المؤمنين به كيدهم ودفعهم عن المسلمين بقوته التي بان بها عن جماعتهم.
فروى محمد بن أبي السري التميمي، عن أحمد بن الفرج، عن الحسن بن موسى النهدي، عن أبيه، عن وبره بن الحارث، عن ابن عباس (رحمه الله)، قال:
(لما خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى بني المصطلق جنب عن الطريق فأدركه الليل فنزل بقرب واد وعر، فلما كان في آخر الليل هبط عليه جبرائيل عليه السلام يخبره ان طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده صلى الله عليه وآله وإيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه، فدعى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك فادفعه بالقوة التي أعطاك الله عز وجل إياها، وتحصن منهم بأسماء الله عز وجل التي خصك بها وبعلمها، وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم: كونوا معه وامتثلوا أمره، فتوجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي، فلما قرب من شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من أعدائه وسمى الله عز اسمه وأومأ إلى القوم الذين اتبعوه أن يقربوا منه فقربوا، وكان بينهم وبينه فرجة مسافتها غلوة.
ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدتها ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم ومن هول ما لحقهم، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام: أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمه انثبتوا إن شئتم. فظهر للقوم أشخاص على صور الزط يخيل في أيديهم شعل