جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أخاف عليكم أن تكون من الهالكين، قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة) (1). والرواية مرسلة، كما أن محمد بن سهل البحراني لا توثيق له. وكذلك روى الشيخ الصدوق نفس هذه الرواية في الأمالي بسنده عن الحسين بن أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني رفعه إلى أبي عيسى، قال: حدثنا العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني رفعه إلى أبي عبد الله الصادق عليه السلام (2). وهذه الرواية كسابقتها من حيث السند فهي مرسلة وفيها محمد بن سهل البحراني، بالإضافة إلى أن السيد الخوئي لم يوثق الحسين بن أحمد بن إدريس، أما المامقاني فقد ذهب إلى حسنه.
وليس في هذه الرواية أي ذكر لصراخ الزهراء عليها السلام في البكاء، ولا يلزم من تأذى أهل المدينة في الرواية من كثرة بكائها أن يكون بكاؤها على نحو الصراخ والازعاج، فإن بيتها كان مجاورا للمسجد والمسلمون يمرون عليه يوميا للصلاة فيه، ومن الطبيعي أن يسمعوا صوت بكائها وإن لم يكن على نحو الصراخ وكان بالشكل الاعتيادي، فالتاريخ لم ينقل لنا أنها كانت تتجول في أرجاء المدينة لتبكي فيها.
كما يلاحظ على الرواية أنها لم تستنكر النتائج المترتبة على كثرة بكاء الخمسة وشدة حزنهم بل هي في مقام المدح كما يشهد به سياقها، وعلى فرض التنزل فهي في مقام الحكاية والاخبار.
و (فضل الله) لم ينكر في جوابه السادس أن يكون بكاء الزهراء عليها السلام لإثارة ذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن من المسلم به أيضا أن هذا البكاء وقع متزامنا مع غصب حق أمير المؤمنين عليه السلام وغصبها فدك - وإن لم نقل بما جرى عليها من الاعتداء كما يذهب إليه (فضل الله) -، ومن الطبيعي أن يتأذى مغتصبو الخلافة من بكائها لان ذلك قد يوحي إلى المستمع وقد بلغه ظلمهم لها أن هذا البكاء ليس من أجل الحزن على فقدان الرسول صلى الله عليه وآله فقط، بل لغصب الخلافة وفدك أيضا، وفي هذا تحريض كبير عليهم وتذكير بجريمتهم وتأليب للأجواء ضدهم، ولذا فمن الأرجح أن يكون الاحتجاج الصادر لمنع بكائها من قبل الهيئة الحاكمة مباشرة أو بتحريض منها.
كما أنه ليس في الرواية (أن أهل المدينة شكوا الامر إلى علي عليه السلام وقالوا له: إما أن تبكي أباها ليلا أو نهارا) كما زعم (فضل الله) فإن هذا قد صدر من أهل السجن مع يوسف عليه السلام. على أنه لو فرض أن أهل المدينة شكوا إلى الامام علي عليه السلام كثرة بكاء الزهراء عليها السلام فليس في ذلك أي محذور كما لم يكن في كثرة بكاء يعقوب ويوسف عليهما السلام أي محذور.