ككونه شجاعا أو كريما سخيا مع أنه جبان أو بخيل، وهو كذب حرام. نعم ورد النهي عن النياحة في جملة من الاخبار، ففي رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له:
ما الجزع؟ قال: (أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه). إلا أنها ضعيفة السند بأبي جميلة المفضل بن صالح على طريق، وبه وبسهل بن زياد على طريق آخر... فتحصل أن النياحة الصحيحة أمر جائز ولم تثبت كراهته فضلا عن حرمته) (1).
وقال الشيد محمد حسن النجفي:
(ولعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا، مضافا إلى الاخبار المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا، بل في المنتهى الاجماع على جوازه إذا كان بحق، كالاجماع على حرمته إذا كان بباطل، وروي (أن فاطمة عليها السلام ناحت على أبيها، فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه) كما روي عن علي عليه السلام: (أنها قبضت من تراب قبر النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها على عينها ثم قالت:
ماذا على المشتم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا ... وعن الصادق عليه السلام في الصحيح أنه قال: (قال أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى)، وقد يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها. وعن النبي صلى الله عليه وآله (لما انصرف من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا، ولم يسمع من دار عمه حمزة، فقال صلى الله عليه وآله: لكن حمزة لا بواكي له، فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة وينوحوا عليه ويبكوا، فهم إلى اليوم على ذلك) إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الصريحة في المطلوب) (2). وقد روى ابن سعد عن ثابت بن أنس أنه قال: (لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة:
واكرب أبتاه، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم! فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله قالت فاطمة عليها السلام: يا أبتاه! أجاب ربا دعاه، يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه! من ربه ما أدناه، قال: فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام:
يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟) (3).