وبالجملة: لا ننكر وجوب الفحص في صورة واحدة، وهي ما إذا كان الكتاب المنشور والرسالة المنشورة، مشتملة على مخصصات ومقيدات فيها غير معلومة أماكنها، وأما الكتب الروائية الموجودة فيما بأيدينا فهي من علمائنا، وهذا غير كاف لإيجاب الفحص بعدما كان بناء السابقين على العمل بالعموم الواصل إليهم المسموع عن المعصوم (عليه السلام) وهكذا الإطلاق وغيره، فلاحظ وتدبر.
أقول: الأمر كما تحرر، إلا أن هنا بيانا آخر، وهو أن هذه المسألة ليست من قبيل المسائل التي إذا أحرز بناء العقلاء في السلف، أو بناء المتشرعة في السابق عليها، فلا تنقلب عما كانت عليه، كحجية الخبر الواحد، واليد، والظواهر، فإن استكشاف بنائهم على اعتباره يوجب لزوم الحكم بحجيته في عصرنا، وأما هذه المسألة فهي من المسائل التي ينقلب ميزانها، لاختلاف مبادئها.
وإن شئت قلت: إن العقل حاكم بلزوم اتخاذ الحجة، حتى تكون عذرا عرفيا وعقلائيا، ولا دليل لفظي ولا لبي على أن كل ما كان عليه السلف في اتخاذ الحجة، فهو المرضي والمتبع، بل غاية ما ثبت هو بناء السابقين عملا على العمل بالعمومات والمطلقات قبل الفحص، ورضا الشرع به من غير ردع عنه، وأما أن هذه الطريقة ممضاة شرعا مطلقا وفي الأعصار المتأخرة، فهي غير واضحة، بل ممنوعة.
وعلى هذا، فلو كان بناء العقلاء والعرف - بعد اجتماع العمومات والمخصصات في الكتب الموسعة، والرسائل والدفاتر المعلومة، والذخائر المعينة - على الفحص فلا بد من ذلك، وهذا مما لا شبهة فيه، ولا إشكال عليه بالضرورة، فإن ديدن العقلاء في هذه العصور وعادتهم في جميع الأمصار والممالك، على الفحص عن قيود القوانين المنتشرة في الدفاتر الأساسية والمنشورات العامة بلا مناقشة، وحيث إن الأصحاب الأولين - قدس الله أسرارهم وجزاهم الله أحسن الجزاء -