أحدهما: أن المتكلم في مقام إفادة أن السير من البصرة إلى الكوفة مطلوبي، أو أن المطلوب هو السير من البصرة إليها، وغير ذلك مما يشابه هذه العبارة.
ثانيهما: أن يكون في مقام إفادة أن مطلوبي المتلون بالسير، وأن مطلوبي السيري ومقصودي الكذائي من البصرة إلى الكوفة.
فما كان من قبيل الأول فلا يكون له المفهوم، ويعد من قيود الموضوع.
وما كان من الثاني فيستلزم انتفاء الطلب بالنسبة إلى ما بعد الغاية، ولو كان السير المتلون بلون ما بعد الكوفة مطلوبه، لما كان للتقييد المزبور وجه.
وإن شئت قلت: لو كان المفهوم هنا منوطا بإثبات العلية المنحصرة، فلا يمكن ذلك، لأن غاية ما يثبت هنا انحصار المطلوب السيري بما بين الكوفة والبصرة، وهذا لا يتقوم استفادته بالعلية المنحصرة، بل هو هنا يستفاد من التقييد الوارد على الحكم، وأن مجرد ذلك كاف في حصول المفهوم والانتفاء عند الانتفاء، فإذا فرضنا أنه قال:
" مطلوبي السيري محدود بين الكوفة والبصرة " فلازمه انتفاء الطلب بسنخه مضافا إلى شخصه، قضاء للقيد المزبور.
وإن شئت قلت أيضا: إنه يريد في هذه الصورة إفادة أن مطلوبي الموصوف بالسير، محصور بما بين البصرة والكوفة، فيستفاد هنا حصر الطلب السيري بما بينهما، وقضيته انتفاء سنخه عما بعد الغاية، من غير توقف على كون الغاية حدا للحكم، كما يظهر بأدنى تأمل.
أقول: ولعمري، إنه لا يمكن المزيد عليه في تقريب مقالة الخصم، ولكنه مع ذلك لا يفيد ولا ينفع:
وذلك أولا: لأن مقتضى هذا التقريب إثبات المفهوم بالنسبة إلى ما قبل الابتداء وما بعد الغاية، وهم إما غير ملتزمين به، أو يلتزمون، لما لا مفر عن ذلك بالضرورة، ولا يعد تاليا فاسدا له.