أقم الصلاة " فإنه لا يجد العرف مناقضة بينه وبين قوله بعد ذلك: " إن جاءك زيد أقم الصلاة من الزوال إلى الغروب " وقوله: " من الزوال إلى الغروب أقم الصلاة " فإن كل ذلك بحسب المتفاهم العرفي واحد.
والسر كل السر: قصور الدلالة الوضعية عن ذلك، وأن كثيرا ما يقع الخلط بين انتفاء الحكم الشخصي والسنخي، فإن ما هو مرتكز العقلاء أن جعل الوجوب إلى المرافق، لا بد وأن يكون لوجه، وإذا كان الأمر دائرا مداره فيعلم عدم وجه للإيجاب لما بعد الغاية، وأما إذا اقتضت جهة أخرى إيجابه لما بعدها، فلا يكون هو خلاف الارتكاز بالضرورة، فما في " تهذيب الأصول " (1) وغيره (2) من المناقشة في الأمثلة وكيفية أداء المقصود، غير راجع إلى محصل.
وبالجملة: مدعي دلالة الغاية على انتفاء سنخ الحكم عما بعدها، لا بد وأن يسند إلى الشرع أنه أوجب الغسل إلى المرافق، أو السير إلى البصرة، ويسند إلى الشرع أيضا أنه اعتبر عدم وجوبه بعدها، ويكفي الإخبار بنحو السالبة المحصلة بقوله: " إنه ما أوجب الشرع ذلك " كما يكفي بنحو الموجبة المعدولة فيقول: " إن الشرع اعتبر عدم الوجوب لما بعدها " وهذا واضح للمتدبر جدا، وتأمل جيدا، كما أن التزامه بذلك بعيد قطعا.
ثم إنه لو كان الأمر كما زعم القائل بالمفهوم، لما كان وجه بين ما بعد الغاية وما قبل الابتداء، لاشتراك الصدر مع الذيل في ذلك، فإذا قيل: " أقم الصلاة من الزوال إلى الغروب " وكان فيه الدلالة على عدم الوجوب بعد الغاية، ففيه الدلالة أيضا بالنسبة إلى ما قبل الزوال، ولا أظن التزامهم به.