كذلك، فكيف يتمكن المولى من الترخيص بالاكتفاء بواحد عن الأفراد إلا بذهوله عن لحاظ الفردية الراجع إلى ذهوله عن الأسباب المتعددة؟! فالتصرف في مقام الامتثال فيما يقتضي القواعد جواز التداخل جائز، وليس بلازم، وفيما تقتضي القواعد عدم التداخل غير جائز وغير ممكن.
فتحصل لحد الآن: أن فيما يتعدد السبب نوعا يمكن التداخل، لأجل أن الجزاء هي الطبيعة المتقيدة بالقيود، القابلة للجمع في الذهن مع وحدة تلك الطبيعة، كما في الأغسال المتنوعة بالقيود الذهنية، وأما فيما كان الجزاء عنوان مصداق الطبيعة - وإن كل فرد من النوم يقتضي فردا من الوضوء - فلا يمكن أن تنطبق العناوين على الخارج.
اللهم إلا أن يقال: بأنه يمكن الالتزام بالإجزاء هنا حسب القواعد والشرع أيضا، لأن ما هو في الجزاء مورد الأمر هو الفرد العنواني والمصداق المفهومي، لا الخارجي، فإذن يجوز الاكتفاء بقصد القيود المأخوذة في الجزاء، والإتيان بمصداق واحد.
وبالجملة: لا يتصور أن يتصرف الشرع في مقام الامتثال، إلا بعد التصرف في مقام الجعل، فلا يجوز أن يكتفي بالغسل مع نية الجنابة عن سائر الأغسال الاخر من دون أن ينويها، أو يجتزئ بغسل بلا نية خاصة عن سائر الأغسال إلا بعد انصرافه عن مطلوبه، وإذا صار مطلوبه واحدا فيرجع إلى وحدة المسبب الراجعة إلى وحدة السبب، وهذا هو ما أشرنا إليه في صدر المسألة، من أن أوسعية مقام الامتثال مما لا يعقل، ويرجع ذلك إلى التصرف في مقام الجعل، كما في جميع القواعد المضروبة في مقام الامتثال، كقاعدة التجاوز وأمثالها، فلاحظ واغتنم.
فتحصل: أنه مع الإقرار بتعدد السبب والمسبب، لا يعقل تداخل السبب تعبدا إلا برجوعه إلى وحدة المسبب الملازمة لوحدة السبب.