من الإمام الشافعي؟ هل أنت أعلم من سيبويه؟ هل أنت أعلم من أئمة الأصول؟ هل أنت أعلم من علماء المعاني والبيان؟ هل أنت أعلم من أئمة التفسير؟ هل أنت هل أنت، وهكذا فما درى المدعى ما يقول فافتضح في المجلس.
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: بلغنا أن محمد بن جرير الطبري ألف تفسيرا ألف مجلدة ضخمة وكان محفوظه من متون العلوم نحو حمل مائة بعير.
وكان ابن شاهين يقول: كتبت من المؤلفات ما لا أحصي عده وحسبت الحبر فبلغ ألفين من القناطير.
وكان بعضهم يقول: لو كتبت ما في صدري ما حمله مركب، ولم يزل في كل عصر علماء حاملون العلم لا يجئ العلماء المشهورون من طلبتهم.
وسمعت شخصا ضعيف الحال مثلي يقول: والله العظيم لا أعلم الآن في مصر كلها أعلم مني ولو أنني علمت لمشيت واستفدت منه، وهذا هو مجنون وأقل جزاؤه أنه حرم بركة علماء زمانه ومات بجهله.
وقد رأيت شخصا يدعى القطبية يقول: أطلعني الله تعالى على دائرة الأولياء كلهم فلم أر فلانا منهم وأشار إلى شخص من صالحي عصره، فقال له شخص في المجلس إن كنت صادقا فقل لي كم في لحيتك من شعرة؟ فما درى ما يقول وخجل بين الناس وإذا كان الله تعالى نهى العلماء عن دعوى العلم مع علمهم فكيف بمن يجهل ويدعي العلم مع الجهل.
وحكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله قال: اجتمع يوما في مجلس الحسن البصري رضي الله عنه خمسمائة محبرة تكتب عنه العلم، فحصل له بعض عجب في نفسه فقال لا تسألوني في هذا المجلس عن علم من العلوم إلا أخبرتكم به، فقام إليه صبي أمرد ضعيف يتوكأ على عصا فقال يا سيدي قد سمعنا قولك فهل للناموسة كرش أو مصران، فتغير لون الحسن واصفر ثم حمل من ذلك المجلس مغشيا عليه فمات بعد ثلاثة أيام، وذكر الشيخ الكامل محي الدين بن العربي رضي الله عنه عن نفسه أنه كان راكبا مرة في سفينة في البحر المحيط فهاجت الريح، فقال أسكن يا بحر فإن عليك بحرا من العلم، فطلعت له هائشة من البحر وقالت له: قد سمعنا قولك فما تقول فيما إذا مسخ زوج المرأة هل تعتد عدة الأحياء أم الأموات؟ فما درى الشيخ ما يقول: فقالت له الهائشة تجعلني شيخا لك وأنا أعلمك الجواب؟ فقال: نعم، فقالت: إن مسخ حيوانا اعتدت عدة الأحياء، وإن مسخ جمادا اعتدت عدة الأموات. ذكر هذه الحكاية في ترجمة مشايخه من الجن والإنس والملائكة والحيوانات، وبلغنا أنه من ذلك الوقت ما سمع أحد منه رائحة دعوى العلم.