فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يأخذ بيده ويدخله حضرات العلوم والخزائن الإلهية حتى يرى أن جميع ما علمه هؤلاء لا يجئ نقطة من البحر المحيط. وقد استخرج أخي الشيخ أفضل الدين من سورة الفاتحة مائتي ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم وذكرنا منها في كتابنا المسمى بتنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء ثلاثة آلاف علم لا يتعقلها الإنسان إلا إن رأى أسماءها إذ لم تخطر له قط على بال.
فانظر يا أخي فيما علمته من الفقه والنحو والأصول وغيرها تجده لا يجئ قطرة من البحر المحيط بالنسبة لعلوم أهل الله عز وجل.
وقد نقل ابن السبكي في الطبقات الوسطى عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه كان يقول: ما أنزل الله من السماء علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وجعل لي فيه حظا ونصيبا.
ثم من فوائد السلوك على يد شيخ أن السالك يصل إلى حضرة يرى جميع صفاته الظاهرة والباطنة عارية عنده وأمانة أودعها الحق عنده فلا يسوغ له أن يدعيها أو شيئا منها لنفسه أبدا حياء من الله تعالى، فالناس يرونه عالما في عيونهم وهو يرى نفسه جاهلا، وهناك يأمن من أن يدعى لنفسه حالا أو مقالا سرا أو جهرا ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الحجاب غالبا والدعاوي المضلة عن سواء السبيل حتى أن بعضهم قال أنا الله فكفر، نسأل الله اللطف.
فاسلك يا أخي طريق الأدب مع الله على يد شيخ ولو كنت من أعلم الناس عند نفسك فإنه لا بد أن يظهر لك جهلك إذا سلكت الطريق، والله يتولى هداك.
وفي قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام كفاية لكل عاقل، وذلك أن الخضر قال لموسى عليه السلام أنا أعلم أهل الأرض، يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر هذا العصفور من هذا البحر، والمراد بعلم الله معلومه لقوله تعالى:
* (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * فلو كان المراد به العلم القائم بالذات لم يصح وصفه بالقلة فافهم، ومعلوم الله هو العلم الذي يبثه في قلوب عباده وهو غير علمه الأزلي الخاص به، لأن علم الخلق وإن كان مع جملة علم الله ففيه رائحة الحدوث من حيث إضافته إلى الخلق فافهم، وإياك والغلط وإنما أولنا لك يا أخي الحديث لأن الخضر عليه السلام عالم بالله، ومعلوم عنده أن علم الله