وحكى أن سفيان الثوري دخل على الفضيل يوما فقال: يا أبا علي عظنا بموعظة، فقال:
الفضيل وماذا أعظكم؟ كنتم معاشر العلماء سرجا يستضاء بكم في البلاد فصرتم ظلمة، وكنتم نجوما يهتدي بكم في ظلمات الجهل فصرتم حيرة، يأتي أحدكم إلى هؤلاء الأمراء فيجلس على فراشهم ويأكل من طعامهم ثم بعد ذلك يدخل المسجد فيجلس يدرس العلم والحديث ويعظ الناس ويقول حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما هكذا كان من يحمل العلم فبكى سفيان ثم انصرف.
وكان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول: إذا رأيتم العالم أو العابد ينشرح لذكره بالعلم والصلاح في مجالس الأمراء والأكابر فاعلموا أنه مراء.
وكان سفيان بن عيينة رضي الله عنه يقول: من علامة الرياء في طلب العلم أن يخطر في باله أنه خير من العوام لأجل العلم، ومن فعل ذلك مات قلبه فإن العلم لا يحيي قلب صاحبه إلا إن أخلص فيه، وذلك أنه إذا تكبر به صار وجهه للدنيا وظهره لحضرة الله عز وجل.
واعلم أن رائحة الحضرة هي التي بها حياة القلوب فالإقبال عليها يحيي والإدبار عنها يميت، كما مات قلب الكفار حين أعرضوا عن الله عز وجل. وكان يقول أيضا: إذا رأيتم طالب العلم كلما ازداد علما ازداد جدالا ورغبة في الدنيا فلا تعلموه.
وكان كعب الأحبار رضي الله عنه يقول: سيأتي على الناس زمان يتعلم جهالهم العلم ويتغايرون به على القرب من الأمراء كما يتغايرون على النساء، أو كما يتغاير النساء على الرجال، فذلك حظهم من علمهم.
وكان صالح المري رضي الله عنه يقول: من علامة إخلاص طالب العلم أن ينشرح صدره كلما وصفه الناس بالجهل والرياء والسمعة، كما أن من علامة ريائه انقباض قلبه من ذلك وكان يقول: احذروا عالم الدنيا أن تجالسوه خوفا أن يفتنكم بزخرفة لسانه ومدحه للعلم وأهله من غير عمل به. وكان يقول: ربما كان علم العالم زاده إلى النار فلا ينبغي لأحد أن يفرح بعلمه إلا بعد مجاوزة الصراط، وهناك يعلم حقيقة علمه هل هو حجة له أو عليه.
وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
وكان يقول: مررت بحجر مكتوب عليه " اقلبني تعتبر " فقلبته فإذا عليه مكتوب: أنت بما تعلم