وقد ورد على شخص من الفقراء فقال لي مررت البارحة على شخص من علماء المالكية زائرا فقلت له عند الانصراف، اقرؤوا لنا الفاتحة فأبى وقال ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقراءتها عند الانصراف، فقلت لهذا الزائر الأمر سهل ليس علينا وزر إذا قرأنا الفاتحة عند الانصراف، ولا إذا لم نقرأها فنمت تلك الليلة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعاتبني على قولي الأمر سهل، ثم أمرني بمطالعة مذهب الإمام مالك، فطالعت الموطأ والمدونة الكبرى ثم اختصرتها ولفظه صلى الله عليه وسلم: يا عبد الوهاب عليك بالاطلاع على أقوال إمام دار هجرتي والوقوف عندها فإنه شهد آثاري فعلمت بالقرائن من كلامه صلى الله عليه وسلم أن الوقوف على حد ما ورد أحب إليه صلى الله عليه وسلم مما ابتدع وإن استحسن إلا إن أجمع عليه.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى مجاهدة ورياضة شديدة على يد شيخ ناصح ليستنير قلبه ويصير أهلا لمجالسته صلى الله عليه وسلم في حال عمله لسنته على الكشف والشهود أو على الإيمان والتسليم كالأعمى يعرف أنه جليس زيد، وإن كان لا يراه.
فعلم أن من عمل بشئ من الأوامر الشرعية غافلا عن شهود المشرع فما أدى الأدب معه حقه لأنه ما شرعه لك إلا لتحضر معه فيه.
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: ينبغي للعالم أن يشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل فعل خالف صريح ما ورد في السنة، وشهدت له ظواهر الشريعة وعموماتها كما في مسألتنا هذه فقد شهد لها عموم قوله صلى الله عليه وسلم ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم إلا تفرقوا على أنتن من جيفة حمار.
رواه الطبراني وغيره.
فليلحق مثل هذا بصريح السنة ولا حرج على فاعله بل له الأجر في ذلك، وعلى هذا فتكون قراءة الفاتحة عند الانصراف وقبل التفرق أولى من تركها كزيادة العمامة على سبعة أذرع، وكأخذ المعلوم على شئ من القربات الشرعية من إمامة وخطابة وتدريس علم وقراءة قرآن ونحو ذلك وإن لم يسمع لفظه صلى الله عليه وسلم له بالإذن لأن ذلك أدب على كل حال. والله أعلم.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " ".