نظرنا، ولو بلغنا الغاية في الفهم على أنه قد استقرئ أنه ما تعدى أحد الشريعة وعمل بما ابتدع إلا وابتدع وأخل بجانب كبير من صريح السنة المحمدية.
وإيضاح ذلك أن الله تعالى أنزل الشريعة على أعلى غاياتها، فما ترك إلا ما علم تعالى أن خواص عباده لا يقدرون على المداومة عليه، وجعل لكل مأمور شرعي وقتا، فإذا زاد العبد على ذلك أخذ ذلك المزاد وقت غيره من باقي المأمورات ولم يبق له وقت يفعله فيه فمثل هذا زاد بدعة وترك سنة أو سننا بحسب ما ذهب في الابتداء، وأيضا فإن الله تعالى ما ضمن المساعدة والمعونة إلا للعامل بما شرعه تعالى أو شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إذنه لا غيره وأما ما شرعه غيره فلم يضمن للعامل به المعونة، كما أن من سافر إلى مكة بالزاد يحصل له المعونة من الله ذاهبا وراجعا لأنه سافر تحت الأمر، بخلاف من يسافر بلا زاد لأنه لم يسافر تحت الأمر الإلهي، فلذلك كان يقاسي من الشدائد ما لا يحصى.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لو صفت القلوب كما أمر الله تعالى لوجد أصحابها جميع ما استنبطه المجتهدون من القرآن كالمنطوق به على حد سواء، فإن الله تعالى يقول:
* (ما فرطنا في الكتاب من شئ) *.
ولكن لما أظلمت القلوب وتكدرت من أكل الحرام والشبهات وارتكاب المعاصي والآثام، خفي عليها منازع الأئمة وسموا كلامهم رأيا، والحال أن كلامهم من صلب السنة.
وكان الشيخ محي الدين بن العربي رحمه الله يقول: من أعطى الفهم في كتاب الله لا يحتاج قط إلى قياس، فإذا جاء لمسألة ضرب الوالدين مثلا فلا يحتاج في القول بتحريمه إلى قياس الضرب على التأفيف، وإنما يأخذ ذلك من مضمون قوله تعالى:
* (وبالوالدين إحسانا) *.
ومعلوم أن الضرب ليس بإحسان، فما احتجنا هنا إلى قياس وقس على ذلك.
فقف يا أخي عن العمل بكل شئ لم تصرح الشريعة بحكمه ولم تجمع العلماء عليه ولا تتعد فإن الله لا يؤاخذك إلا بما صرحت به الشريعة، كما أنه لا يؤاخذ الصحابة إلا بما صرح به القرآن والسنة، وقدر يا أخي نفسك أنك في زمن الصحابة، وقبل وجود جميع المذاهب هل كان الحق تعالى يؤاخذك ما صرحت به الشريعة، فكذلك القول الآن.