لبعض أهل عصرنا فإنه بمجرد ما صار يفهم اشتغل بالتأليف وترك القراءة على العلماء فصار في جانب والعلماء في جانب، وبعد عن معرفة الراجح عند علماء زمانه فخالفوه ولم ينتفع أحد بعلمه ولو أنه صبر في القراءة على الأشياخ حتى أجازوه بالفتوى والتدريس لزكوه وأقبلت الناس عليه بعد مشايخه فاعلم ذلك.
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله يقول: قل أن يجتمع في شخص في عصر من الأعصار علم الفقه والحديث والتصوف، قال ولم يبلغنا أنها اجتمعت في أحد بعد الطيبي صاحب حاشية الكشاف إلى وقتنا هذا، ومن اجتمعت فيه هذه العلوم الثلاثة فهو الذي ينبغي أن يلقب بشيخ أهل السنة والجماعة في عصره، ومن لم يلقبه بذلك فقد ظلمه.
فطالع يا أخي كتب أهل السنة المحمدية وكتب علمائها وكتب الأصوليين ورسائل الصوفية ولو سلكت الطريق على يد شيخ خوفا من أن يزل لسانك بشئ من علوم الدائرة الباطنة فينكره عليك العلماء فيقل نفعك للناس بخلاف ما إذا عرفت سياج العلماء فتصير تخرج لهم من العلوم، ما يقبلونه وتكتم عنهم ما لا يقبلونه فإن رد العلماء على الصوفية إنما هو لدقة مدارك الصوفية عليهم لا غير، فلا يلزم من الرد عليهم فساد قولهم في نفس الأمر كما قال الغزالي رضي الله عنه: كنا ننكر على القوم أمورا حتى وجدنا الحق معهم قال تعالى:
* (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) * وقال تعالى: * (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) *.
ومما يؤكد كلام الغزالي رحمه الله قول الإمام أبي قاسم الجنيد رحمه الله: كان عندي وقفة في قولهم يبلغ الذاكر في الذكر إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يحس، إلى أن وجدنا الأمر كما قالوا، فعلم أن النفوس لم تزل تحتج وتميل في العمل إلى ما عليه الأكثر بحكم التقليد، وتقدم العمل به لكثرة العاملين به بخلاف ما عليه البعض، فإنه كالطريق التي سالكها قليل فلا يجد السالك فيها من يستأنس به في العمل فتصير عنده وحشة فتأمل.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: يحكي عن سيدي إبراهيم المتبولي