السلام لبعضهم بعضا، ويرون ذلك أحسن من اللقاء خوفا، إن كل واحد يرائي الآخر بذكره أحسن ما عنده من الكلام والأخلاق، ويزكي نفسه فيستحقان الطرد والمقت كما وقع لإبليس لعنه الله.
وبالجملة فلا يتشوش من قلة زيارة إخوانه له إلا كل قليل العقل. وقد دخل علي شخص من مشايخ العصر كان من أعز الإخوان، فذكرت له عن سيدي علي الخواص رحمه الله أنه كان يقول: من شرط من يدعى الكمال في طريق أهل الله تعالى، أن يكون فقيها محدثا صوفيا، فقلت: وقد من الله تعالى علي بالثلاثة ولله الحمد، وقصدت بقولي فقيها أنني من أهل الفهم في الكتاب والسنة إذ الفقه لغة الفهم، وبقولي محدثا أنني أعرف أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وبقولي أنا صوفي لبس الجبة الصوف، فخرج من عندي ما ترك زاوية حتى دخل يذمني فيها، فقلت له: كيف تدعى طريق الفقراء وأنت لا تحمل أخاك على محمل واحد حسن.
وقد قال الإمام النووي في آداب العالم والمتعلم في مقدمة شرح المهذب: يجب على الطالب أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة في كل كلام يفهم منه نقص إلى سبعين محملا، ثم قال: ولا يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق.
ثم إذا دخلت يا أخي لزيارة أخيك فإياك وذكر حال أركان الدولة، وما هم فيه أو تذكر أحدا من المسلمين بسوء ونحو ذلك فيصير اجتماعكما معصية، وهذا الأمر يقع فيه أكثر الزوار اليوم فيجمع كل واحد منهما جملة كلام وقع في تلك الجمعة فيحكيه لصاحبه ليس فيه كلمة واحدة نصحا ولا خيرا، ومثل هؤلاء لا ينبغي فتح الباب لهم. وقد كان سيدي يوسف العجمي شيخ سلسلة التصوف بمصر المحروسة رحمه الله يوصى النقيب أنه لا يفتح الباب لأحد ممن لا يريد الطريق إلى الله تعالى من أبناء الدنيا إلا إن كان معه طعام أو فتوح للفقراء من مال أو ثياب، ويقول: من لم يأت بشئ معه للفقراء فزيارته مدخولة، فقيل له: إنكم بحمد الله ليس عندكم ميل إلى الدنيا، فقال: صحيح ولكن أعز ما عند أبناء الدنيا دنياهم، وأعز ما عند الفقراء وقتهم، فلا يشغلونه إلا في شئ يحصل لهم به درجات في الآخرة، فإن بذلوا للفقراء أنفس ما عندهم من الدنيا بذلنا لهم أنفس ما عندنا من الوقت.
وما أعرف في أصحابي اليوم أحسن زيارة من أخي الإمام العلامة شمس الدين الخطيب الشربيني فسح الله في أجله وصاحبه الشيخ صالح السلمي رضي الله عنهما، فلم