أضبط عليهما قط حال زيارتهما كلمة سوء في أحد من خلق الله تعالى، لا من أهل العلم ولا من الفقراء ولا من الولاة ولا من العامة، فرضى الله عنهما، وهذا أمر عزيز الوقوع في طائفة العلماء في هذا الزمان فضلا عن غيرهم، بل وقع لي أن شخصا من العلماء جلس عندي في الحجر تحت الميزاب فأخذ يستغيب واحدا من أقرانه، فلولا لطف الله لنزل علي وعليه صاعقة من السماء، فقلت له: وفي مثل هذا المكان الشريف يقع منك غيبة؟
فقال: وأستغيب في جوف الكعبة من يستحق الغيبة، فقلت له: دستور أدعو الله إن كنت كاذبا ينزل عليك الحب الأفرنجي؟ فقال: نعم، فدعوت عليه بذلك في الملتزم فما رجع من الحجاز إلا وبدنه مشغول بالحب، وهو إلى الآن بضربان المفاصل، نسأل الله العافية.
وقد كانت زيارة الإخوان في الزمن الماضي كلها فائدة وتلقيحا لبعضهم بعضا كتلقيح النخل، وكان أحدهم لا يقول لأحدهم: كيف حالك، إلا ليعرفه أخوه بما هو محتاج إليه على الأثر قول بفعل فصار اليوم يلقى الشخص أخاه فيقول له: كيف حالكم، فيقول: طيب والحال أنه في غاية التشويش من ضيق معيشة أو من أذى أحد لعلمه بأن قلب من قال له كيف حالكم فارغ منه إما شامت وإما يسخر به، ولذلك يلقى بعض الناس صاحبه فيقول له: أي شئ حالكم؟ فلا هو يخبره بحاله والآخر يقف حتى يعرف حاله، وكل ذلك نفاق مكتوب اسم صاحبه في جريدة المنافقين، في دواوين السماء بنص الشريعة المطهرة، وكانوا يقولون في الزمن الماضي: إذا قل رأس مالك زر إخوانك وصار الحال اليوم إذا زار صاحب الرأسمال من الدين أخاه نقص رأس ماله أو زال.
وسمعت سيد عليا الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي أن يتوقف الزائر لأخيه في الله تعالى على شئ يركبه مع قدرته على المشي إليه، وكذلك كل عبادة كطلب علم وخطبة امرأة هو محتاج إليها وجنازة وشفاعة ونحو ذلك كما قال الشعبي رحمه الله، وكان لي صاحب يأتيني من كوم الجارح إلى مصر حافيا مكشوف الرأس، فربما منعه البواب فيقول: قولوا لعبد الوهاب رجل جاءكم حافيا مكشوف الرأس فردوه وما قبلوه، فكيف بمن يجيئكم منتعلا بعمامته، فكنت أفهم إشارته فأخرج له أتلقاه بالترحيب وأقبل يده، وأنشد مجنون بني عامر:
ولو قطعوا رجلي مشيت على العصا * وإن قطعوا الأخرى حبوت حبوت