الأصدقاء فضلا عن غيرهم يستر لك عورة إذا اطلع عليها بل ينشرها في الناس، وكلما وصيته على الكتمان تحركت عنده الداعية للإفشاء.
وقد قال الإمام الغزالي: لا تركن إلى صديق حتى تمتحنه غاية الامتحان، فربما أحصى عليك الزلات حال رضاه عنك ليهجوك بها حال سخطه عليك، كما هو مشاهد كثيرا فيمن يصحب الناس لغير الله. بل وقع لسيدي يوسف العجمي أن شخصا مكث عنده نحو ثلاث سنين يطلب الطريق إلى الله تعالى والشيخ لا يلتفت إليه، فلما أكثر على الشيخ قال له: يا ولدي أنت عندي بمنزلة ولدي، ومقصودي أن تستر علي، فإني قتلت نفسا هذه الليلة رأيتها بين عيالي وها هو في ذلك الفرد الخوص فاحمله في هذه الليلة واخرج به إلى الكوم وادفنه ولك عندي دينار ذهبا ففعل الشخص ذلك، ثم إن الشيخ تنكر على ذلك المريد ثاني يوم وأمر بإخراجه من الزاوية ورمى حوائجه في الشارع، فما شعر الشيخ إلا ومقدم الوالي ونائبه جاءوا إلى الشيخ واتهموه بقتيل وقالوا معنا بينة تشهد بموضع دفنه، فأمر الشيخ بعض الفقراء أن يذهب معهم إلى الكوم فاستخرجوا الفرد وفتحوه فإذا هو خروف، فمقت ذلك الفقير واتهم بالزغل فشنقوه بعد جمعة.
وحكى لي الشيخ شمس الدين البوصيري أنه خدم سيدي الشيخ أبا السعود الجارحي نحو ثلاثين سنة والشيخ آخذ حذره منه، فقال له يوما: يا سيدي مرادي تطلعني على شئ من أسرار أهل الله عز وجل، فقال: يا محمد والله ما أءتمنك؟؟ على إخراج ريح أخرجه بحضرتك خوفا أن تحكيه للناس.
وبالجملة فيحتاج من يخالط الناس اليوم إلى أن يروض نفسه حتى يكون كعالية العوال في الدقاف ويصير يخشى الله بالغيب ويخاف أن يمقته إذا ذكر أحدا من عبيده بسوء لا سيما العلماء العاملون والفقراء الصادقون فإن ملاحظهم دقيقة، وربما ظن بعض المجادلين في عقائدهم نقصا أو في أعمالهم خللا فيحكى ذلك للناس من غير أن يراجعهم في ذلك فيمقته الله، لأن كل من استند إلى الله دون خلقه كان الله له بالنصر وهذا من شأنهم على الدوام، لا يعولون قط على نصرة مخلوق ولا يشتكونه من بيت حاكم، ولو فعل معهم ما فعل فلما أكرموا عبيده لأجله كذلك أكرمهم وأجلهم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من ادعى أنه من أهل الله ولم يتحمل الأذى من عبيده فقد كذب.