وسمعت سيدي عليا الخواص يقول: غالب أهل النعم لا تعرف مقدارها إلا بالتحول كما حكي أن عبدا كان سيده يكرمه ويلبسه الثياب الحسنة ويأكل معه على السماط فتنكر عليه سيده يوما ونقمه فقال بعني في سوق السلطان فاشتراه إنسان حاله أضيق من سيده، فخلع عنه ثيابه وألبسه خليقات وصار يطعمه من فضلة السماط، فقال سوق السلطان، فاشتراه إنسان حاله أضيق من الثاني فصار يأكل الدقيق ويطعمه النخالة فقال سوق السلطان فاشتراه إنسان يأكل النخالة ويجوعه، فقال سوق السلطان فاشتراه إنسان يجوع ويجوع العبد معه، واحتاج في ليلة إلى منارة يضع عليها المسرجة، فما وجد شيئا فأجلسه، ووضع المسرجة على رأسه إلى بكرة النهار، فقال سوق السلطان، فوجده فقير وهو خارج إلى السوق ممن كان يعرف حاله الأول، فذكر له قصته مع هؤلاء الذين اشتروه فقال له: إن سمعت مني رددتك إلى سيدك الأول، فقال: وماذا أصنع قال تعترف له بالنعمة فاعترف فرجع فاشتراه سيده الأول، فما عرف هذا العبد مقدار النعمة إلا بتحويلها لا سيما من فتح عينه على النعمة من غير اكتساب كالجالسين في مثل جامع الأزهر أو الزوايا التي لها خبز وجوامك وليس عليهم مغارم فإن هؤلاء لا يعرفون ما الخلق فيه وربما بطر أحدهم النعمة التي هو فيها حتى صار يرد على الخادم والنقيب الخبز اليابس، فحول الله عنه النعمة ثم إنه يريد استرجاعها فلا يتيسر له ذلك أبدا.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرة يابسة في بيت عائشة رضي الله عنها تحت حائط وقد علاها الغبار، فأخذها صلى الله عليه وسلم ونفخ التراب عنها ثم أكلها وقال:
" " يا عائشة أحسني مجاورة نعم الله عز وجل فإن النعمة قل ما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم " " وفي القرآن العظيم: * (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * ففهمنا من هذه الآية أن النعم لا تتحول عن صاحبها وهو شاكر لله تعالى أبدا.
وقد أخبرنا الشيخ عبد الحليم بن مصلح ببلاد المنزلة رحمه الله تعالى قال: ربيت جماعة من الفقراء في الزاوية حتى زوجتهم، وكانوا يخدمون وأزواجهم في الزاوية، فتركوا ذلك