الحرف من النجارة والحدادة وخياطة النعال مثلا فلا يصبرون ويطلبون الرجوع إلى عبادة الله كما كانوا، فلا يقدرون فيهلكون ثم لا يهونون علي كما لا يهون على الوالد ضرر الولد العاق له، ثم أقل ما يمكث الإنسان في عمل الحرفة التي يأخذ منها الخبز والأدم من أول النهار إلى بعد العصر، وربما كانت تلك الأجرة لا تكفيه، ولذلك ينبغي للفقير القاطن في زاوية أن يشتغل بالله في أوراده بقدر ما يشتغل المحترف في حرفته ولا يكفيه الاشتغال في ورده من الفجر إلى الضحى مثلا.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: قد شرعت النعم التي بأيدي الخلائق في التحويل واحتاجوا في تسخير أرزاقهم إلى المشي على قواعد أخرى غير ما كانوا عليه، وما بقي يكفي أحدهم في تسخير النعمة له العمل الذي كان عليه في الزمن الماضي. وجملة الأمر أن من كان له شيخ يجب عليه أن لا يخالفه فإنه لا يستعمل كل واحد إلا فيما يصلح له ولا يمنع أحدا من شئ إلا وهو يضره فاعلموا ذلك أيها الإخوان، والله يتولى هداكم آمين.
روى البخاري وغيره مرفوعا: " " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده " " يعني يضفر الخوض كما في رواية. وروى ابن ماجة مرفوعا:
" " ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة " " وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني:
" " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الكسب؟ فقال بيع مبرور، وعمل الرجل بيده " " وروى الطبراني ورجاله رجال الصحيح والبيهقي مرفوعا:
" " إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف " " وفي رواية له أيضا عن كعب بن عجرة قال: " " مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه، فقالوا:
يا رسول الله، لو كان هذا سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم،