فكان فيه هلاكه كما وقع لبلعام بن باعوراء، وكما وقع لثعلبة حين قال يا رسول الله اسأل الله لي أن يكثر مالي فكان في ذلك هلاكه، ولو أن العبد قال اللهم أعطني كذا أو ادفع عني كذا إن كان فيه صلاح لي لم يهلك، لأنه تعالى إن أعطاه ما سأل كان خيرا، وإن منعه إياه كان خيرا، وإن دفع عنه ذلك البلاء كان خيرا، وإن لم يدفعه كان خيرا.
ومن كلام سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه: إذا خيرك الله تعالى في شئ فإياك أن تختار، وفر من اختيارك إلى اختياره، فإنك جاهل بالعواقب.
وسمعت سيدي محمد بن عنان يقول: من أقبح الذنوب عند الله أن يسأل العبد ربه في حصول شئ من غير تفويض، ثم إذا أعطاه له وحصل له منه ضجر وتعب سأل الله تعالى أن يحوله عنه، فإن الحق تعالى جوده فياض على عبده وله أوقات لا يرد فيها سائلا ولو كان كافرا، والحق تعالى ليس هو تحت أمرنا ولا طاعتنا، حتى نقول له بكرة النهار مثلا افعل لنا كذا ثم آخر النهار نندم ونقول له حول عنا ما أعطيته لنا بكرة النهار اه.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ عارف بالله تعالى يعلمه أدب الخطاب مع الله تعالى، فإن غاية أدب العامة أن يعرفوا أدب الخطاب مع جنسهم من الخلق من ملوك وأولياء. وأما أدب الخطاب مع الله تعالى فلابد لهم فيه من شيخ ربي في الحضرة الإلهية، ومكث فيها زمنا طويلا حتى صار يعرف أدبها بالفعل وأدب أهلها على اختلاف طبقاتهم كما هو شأن من يدخل ويخرج حضرات ملوك الدنيا ليلا ونهارا.
* (ولله المثل الأعلى) *.
روى مسلم وأبو داود والنسائي مرفوعا:
" " أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء " ".
زاد في رواية: " " فقمن أن استجاب لكم " " أي حقيق.
وروى مالك والشيخان والترمذي وغيرهم مرفوعا:
" " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول:
من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " ".
وفي رواية لمسلم: " " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى