وقد زار الحسن البصري أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، فأخرج له عمر كسرة يابسة ونصف خيارة، وقال: كل يا حسن فإن هذا الزمان لا يتحمل الحلال فيه الإسراف اه، فلا ترى أحدا في سعة من الدنيا إلا وهو قليل الورع فيغش وينصب، ويبيع على المكاسين وأكلة الرشا وغيرهم، وأما إن طلب التوسع في الدنيا بغير طريق التكسب الشرعي وأقبل على العبادة فربما أكل بدينه، ووقع في الرياء والنفاق لمن يحسن إليه، وإن لم يكن مقبلا على العبادة سلق الناس بألسنة حداد إذا لم يعطوه ما طلب فالتكسب الشرعي أولى بكل حال.
وقد ورد أن الله تعالى علم آدم عليه السلام ألف حرفة، وقال له يا آدم قل لبنيك يتكسبون بهذه الحرف ولا يأكلون بدينهم.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: قد تغير التكسب اليوم على كل فقير وفقيه لعدم من يتفقدهم بالبر والإحسان في هذا الزمان لقلة المكاسب، فقد صار التاجر اليوم يمكث الثلاثة أيام أو أكثر لا يستفتح، فكيف يفتقد غيره، وهو لم يعمل بقوت نفسه وعياله وضيوفه، فضلا عن المغارم التي عليه من كراء بيت وحانوت وعوائد للظلمة من غفراء ورسل محتسب ومشد التراب ومشد الفلوس، والذهب في الأسواق، فالتاجر في أغلب أيامه ينفق من رأس ماله أو مال غيره الذي هو عامل فيه، ومثل هذا لا يطالب أن يفتقد فقيرا ولا فقيها، لا سيما إن كان الفقير أو الفقيه غير مخلص في علمه وعبادته، وأما الفلاح فهو طول سنته في شقاء وتعب وكلف لقصاد الكشاف والعمال والعرب والعشير وأتباعهم فلا يزال يقدم لهؤلاء كلما كان عنده من لبن وسمن ودجاج وغنم حتى أنه يبيع غزل امرأته لهم ثم آخر السنة يحملونه عاطل البلد زيادة على خراجه وربما رسموا على زرعه في الجرن فيطلب لأولاده منه طحينا فلا يمكنوه من ذلك فيا ليتهم جعلوه كغلمان الأمين الذين لهم عادة، ومعلوم أن القرى هي مادة الأمصار فجميع ما في الأمصار إنما يحمل من القرى، فوالله لقد صارت الرعية اليوم بأعمالهم السيئة، كأنهم في صحراء من نار أو كسمك كان في بركة فنزل عنه الماء، فصارت الكلاب والجوارح تفسخه بالنهار والذئاب والثعالب تفسخه بالليل، وما بقي يرجى عود الماء في البركة الذي ه وكناية عن الرحمة لينغمر فيه السمك، ولا يعرف ما قلناه إلا الذين يلزمون بما لا يلزم ممن تقدم ذكرهم من السوقة والفلاحين.