تكبرا فنقص رزقهم عما كان، ثم إنهم طلبوا أن يعملوا لهم صنائع فنقص الرزق عما كان، ثم أنهم تركوا الجلوس على السماط مع الفقراء والمساكين والعميان وصاروا يأخذون خبزهم وطعامهم منفردين متكبرين فنقص الرزق عما كان، ثم اختصروا الأسباع التي رتبت عليهم فيها كل يوم خمسة أحزاب وجعلوها حزبين، وبعضهم جعلها ثلاثة، واختصر المؤذنون نوب الأذان في الخمسة الأوقات إلى وقتين أو ثلاثة فنقص رزق المؤذنين وقراء الأسباع بقدر ما نقصوا، وتعطل بعض الخراج عما كان ثم إنهم امتنعوا من خدمة بعضهم بعضا، فصاروا لا يسافرون ليأتوا بالقمح والحطب مثلا إلا بعوض بعد أن كانوا يسافرون طلبا للأجر والثواب فنقص الرزق عما كان، ثم إنهم امتنعوا عن السفر بالأجرة أيضا حين صار معهم بعض فلوس حصلوها من جوامكهم وأظهروا الغنى عن مثل ذلك فنقص الرزق عما كان ثم إنهم منعوا زوجاتهم عن غربلة القمح ترفها فنقص الرزق عما كان، ثم إنهم منعوهن من العجين فنقص الرزق عما كان، ثم إنهم طلبوا تخفيف عدد المجاورين فطلبوا التخصيص بتفرقة الجبن والعسل وغير ذلك عليهم وحدهم دون غيرهم فنقص الرزق عما كان اه.
قلت: وقد ربيت أنا جماعة فكانوا في أرغد عيش فتحركت نفسهم لمحبة الدنيا فنقص رزقهم عما كان وكفروا بواسطتي لهم في الرزق، فقلت لهم: إن الله تعالى كما جعل مفاتيح رزقكم بيدي كذلك ربما يجعل المنع بيدي عقوبة لكم فلم يسمعوا، فما مكثت نحو شهر حتى وقع التفتيش في الأوقاف والرزق فخرجت جباة الزاوية كلها للسلطان، فمنعوا يدنا عن استخراجها، حتى يعرضوا فيها للسلطان ببلاد الروم، فهي معطلة إلى الآن.
قلت: وقد وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة العشرين من شهر صفر سنة ثمان وخمسين وتسعمائة بعودها إلى الزاوية إن تابوا ودخلوا في الأدب والتربية حتى يرجعوا عن جميع ما وقعوا فيه من أسباب تنقيص الرزق اه. ولو أنهم سمعوا لشيخهم فيما يأمرهم به من الهدى ما تغير عليهم حال، فإنه كرئيس المركب، وكم غرقت مركب قال الرئيس للنوتية اطووا القلع في هذا الريح أو أرخوا حبل الراجع فلم يفعلوا فغرقت، فالله تعالى يلهم جميع الإخوان سماع نصيحتي وعدم مخالفتي حتى لا يندموا حيث لا ينفعهم الندم فيطلبوا رجوع رزقهم إليهم كما كان فلا يصح لهم ويطلبوا عمل