وأرسل يقول لي: وبعد، فإن ما قسم الله لأهل الريف أن يأكلوه لا يقدر أحد من أهل الريف أن يحمل منه شيئا إلى مصر، وما قسمه الله لأهل مصر لا يقدر أحد من أهل الريف أن يأكل منه شيئا، فلا حاجة إلى حارس، فقلت له في ذلك تعطيل الأسباب، فقال: لا تعطيل إن شاء الله تعالى، فإن الحارس إنما جعل لطمأنينة قلب المتزلزل في إيمانه بأن ما قسمه الحق تعالى له لا يمكن أن غيره يأخذه وأنت بحمد الله إيمانك صحيح فلا حاجة لحارس اه.
فعلم أن من تحقق بهذا الإيمان لا يحتاج قط إلى غلق بابه على شئ من حوائجه، إلا من حيث منع اللصوص عن السرقة لما عنده من أموال الناس ومساعدته لهم بعدم غلق الباب، فإنه إذا غلقه عسر عليهم الوصول إلى ما يسرقونه، وكذلك إذا كان يأكل الدجاج المحشو أو الكلاج واللوزينج ونحو ذلك لا يحتاج إلى غلق بابه خوفا من أحد يدخل.
وقد وقع لي مرة أنني كنت آكل في الدجاج أنا وأخي الشيخ العالم الصالح العلامة نور الدين الطنتتائي؟؟، فسح الله في اجله، فقلت: هذا وقت مجئ الشيخ الصالح شمس الدين الخطيب الشربيني، وكان بيننا نحن الثلاثة صداقة وود، فقال لي الشيخ نور الدين أغلق الباب لئلا يجئ الخطيب فيأكل دجاجنا، فقلت له: لا يخلو الحال من أمرين إما أن يكون قسم له أكله فلا يمكننا منعه ولو قفلنا الباب جاء من الحيط، وإما أن لا يكون قسم له معنا أكل فلا نحتاج إلى غلق باب، فقال: أغلق الباب وخذ في الأسباب، فقلت له: ما دليلك في ذلك؟ فقال حديث:
" " أعقل وتوكل " ".
فقلت له: ذلك في حق من يخاف فوات شئ هو له، وأنا لا أخاف من ذلك. فقال:
تمنعه من الأكل حتى تحرر نيتك في مسامحتك بما يخصك من الدجاجة، فقلت له: قد سامحته من قبل أن يدخل، وإذا كان خاطر الإنسان طيبا منشرحا لما يأخذه اللص فلا تحريم على اللص إلا من حيث القصد للحرام لا من حيث أكله الطعام مثلا، لأن تحريم الأكل عليه إنما كان لأجل الأذى وعدم طيب النفس، بدليل قرائن أدلة الشريعة، فسكت الشيخ نور الدين، ثم دخل الشيخ الخطيب وأكل ما قسم له رضي الله تعالى عنهما.
فإياك يا أخي أن تزاحم على رزق بحيث تؤذي أحدا في طريق تحصيله، واعمل على جلاء مرآة قلبك من الصدأ والغبار المانع من تحقيق الإيمان على يد شيخ صادق ليخرجك من حضرات الأوهام إلى حضرات اليقين، بحيث تصير لا تهتم بالحضور إلى محل تفرقة السلطان مثلا مالا على العلماء والصالحين، ولا تتأثر على فوات ذلك إذا نسوك، ولا تتأثر