لبس الثياب الفاخرة بقصد إظهار النعمة، وقتا آخر ليس هذا موضعه ولعل إركابه عاجزا مرحلة واحدة أفضل من حجه هو، ولو أن ثيابه الفاخرة كانت معه في الطريق ربما لا تنفعه لقلة من يشتريها في السفر.
وكذلك ينبغي لمن يحج أن لا يستصحب معه الهدايا من شاشات وأزر وحبر كما يفعله التجار لأن ميزان الحق منصوبة على من ورد تلك الحضرة، ولم يقطع عنه علائق الدنيا بأجمعها ثم إنها ربما تسرق منه في الطريق، وإن لم تسرق منه نقص بعض رأس ماله في الدين، وكان الأولى له أن ينفق ثمن تلك الهدايا على فقراء مكة أو يحملها معه لمن عجز في الطريق عن النفقة، أو عن المشي فينبغي للحاج أن تكون له بصيرة.
وقد رأيت شخصا من الفقراء أشرف على الموت من الجوع والعطش والتعب، فجاء إلى شخص في محمل عظيم فقال اسقني لله، أو ركبني لله، فقال يفتح الله عليك، فقال أعطني دينارا أركب به، فقال ما معي شئ فصدقته لكونه مشهورا بالدين، فرد الفقير وهو يقول في سبيل الله دورانك في هذه الجبال، والله للقمة أو شربة ماء لفقير أرجح من طبل خاناتك، ولو أن هذا الراكب في المحمل كان عنده بصيرة لحسب حساب الفقراء والمساكين وأبقى لهم بقية نفقة، وإلا ركب مقتبا، فإن المحمل مشورا [مشهورا؟؟]، ويقصد الناس الراكب فيه، فإن لم يقم بواجبه وإلا فليركب في شئ مستور، ثم إن راكب ذلك المحمل تخاصم مع زوجته تلك الليلة فسمعته يقول لها: لك معي سبعين بندقيا، قم يا فلان عدها من كيسي فتعجبت من رده ذلك السائل في وادي النار، قبيل الأزلم بمرحلة مما يلي الينبوع وقد بلغني أن ذلك الفقير مات تلك الليلة، فمثل هذا حجه إلى الإثم أقرب.
فإياك أن تتبعه في مثل ذلك وقد تقدم في عهد إطالة الجلوس في المساجد وتخفيفه في السوق نبذة صالحة في آداب المسجد الحرام وبيان أن من الأدب أن لا يبيت المقيم بمكة على دينار ولا درهم، وهو يعلم أن فيها جائعا أو محتاجا، وأن لا يخطر على باله مدة إقامته بمكة معصية، وأن لا يمسك طعاما أو شرابا إلا لضرورة فلا بأس بمراجعتها.
* (والله غفور رحيم) *.
روى الترمذي في الشمائل وابن ماجة عن أنس قال:
" " حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " ".