لا سيما إن كان شيخا أو علما لا كسب له، فإن الإنسان ربما ساعدوه بالنفقة حتى الكشاف ومشايخ العرب وغيرهم من الظلمة، إذ لو تبع الحل وتورع لما وجد في هذا الزمان أجرة ركوبه على الجمل بلا محمل، ولكن والله قد دخل الدخيل في الأعمال لقلة الناصحين من العلماء والصالحين، فإن من لا ينصح نفسه لا ينصح الناس، ومن يغش نفسه لا يبعد أن يغش الناس.
وقد حج صلى الله عليه وسلم على رحل رث يساوي ثلاثة دراهم، ثم قال:
" " اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة " " واعلم يا أخي أن كل من تكلف ودخله الفخر في حجه فهو إلى الإثم أقرب، فإياك يا أخي وقبول المعونة في الحج ممن لا يتورع في مكسبه، كالتجار الذين يبيعون على الظلمة والمساكين ولا يردونهم إذا اشتروا منهم، أو كمشايخ العرب، فإن كسبهم يكاد أن يكون سحت السحت، وكذلك جمالهم يأخذونها من بلادهم من الناس غصبا في حجة حمول جماعة السلطان، فربما أرسلوا لسيدي الشيخ جملا أو جملين فحج عليها فيذهب غارقا في المعصية، إلى أن يرجع أو يموتا منه في الطريق.
وإنما نبهناك يا أخي على مثل ذلك لعلمي بأن النفس غالبة على كل من لم يسلك الطريق على يد شيخ أو لم تحفه عناية الله تعالى فيدخل أعماله العلل والرياء وحب الشهرة بالكرم أو السخاء في الطريق ليقال، فإن أبا مرة لا يترك مثل هؤلاء يأتون بأعمالهم كاملة بل ولا ناقصة، فيزين لهم أعمالهم ويهون عليهم المساعدة في الحج بمال الظلمة ولا يكاد أحدهم يسلم له شئ من أعماله. وما رأت عيني في الثلاث سفرات التي سافرتها أحدا حج من العلماء وتورع في مأكله وملبسه مثل أخي الشيخ الصالح شمس الدين الخطيب الشربيني المفتي بجامع الأزهر فسح الله في أجله، فإني رأيته لا يقبل من أحد شيئا لنفقة نفسه في الطريق، ويكري له جملا لا يكاد يتميز من جمال عرب الشعارة ويصير يمشي عن الجمل في أكثر الأوقات ليلا ونهارا فيمشي ويتلو القرآن والأوراد، ولا يركب إلا عند التعب الشديد رحمة بالجمل، ثم يحرم مفردا فلا يحل من إحرامه حتى يتحلل أيام منى وأكثر أيامه صائما في مكة وغيرها، وإن جاءه غداء أو عشاء أطعمه لفقراء مكة وطوى، ولا يمل من الطواف بالبيت ليلا ونهارا، وفي طول الطريق يعلم الناس مناسكهم ولا تكاد