واعلم أنه قد ورد في حق الفقراء والمساكين:
" أغنوهم عن الطواف هذا اليوم ".
يعني أغنوهم عن الطواف على الناس للسؤال عن كل شئ يأكلونه يوم العيد ليصير لهم وقت يستريحون فيه، ويفرحون بالعيد ويحصل لهم به سرور من أجل التعب والنصب في العبادة مدة شهر رمضان، فإن أحدهم كان يجوع حتى يقع من الجوع المفرط، ومقتضى الحديث السابق بقرينة العلة المذكورة أن إعطاء الفقراء والمساكين الطعام المطبوخ كالهريسة مثلا أفضل من إعطائهم الحب صحيحا وبه قال الإمام مالك رضي الله عنه، فإن القمح مثلا يحتاج إلى غربلة وتنقية وطحن وعجن وخبز وأجرة ودخول وخروج ووقود وقدر وحوائج طعام وغير ذلك، وهذا من الإمام مالك رضي الله عنه من باب التوسعة على الفقراء وتسهيل الأمر عليهم، وإن خالف قاعدته الأغلبية من أن الوقوف على حد ما ورد أفضل من الابتداع ولو استحسن، وقد صحت الأحاديث بتعيين الحب دون الطعام واللحم النئ والمطبوخ، ولكن قد أذن الشارع للأمة بعده أن يبينوا ما شاءوا بقوله:
" " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها " ".
وهم أمناء على الشريعة بعد الشارع صلى الله عليه وسلم، فمن وقف غلى حد ما ورد فهو أحسن، ومن تعدى إلى أمر تشهد له الشريعة بالحسن فهو حسن لا أحسن.
وإنما كان الغالب على الناس إخراج الحبوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لقلة الطواحين في عصره صلى الله عليه وسلم، فكان كل واحد يطحن القمح على الرحى في بيته، فلو أن المخرج للزكاة كاف طحن القمح أو طبخ الطبيخ مثلا للمساكين في ذلك اليوم الذي هو يوم أكل وشرب وبعال لنقص عليه السرور ذلك اليوم، لأنه كان يشتغل ذلك اليوم كله في عمل الطعام لأهل بيته وللفقراء، فعادل صلى الله عليه وسلم بين الدافع والآخذ في التعب في ذلك اليوم، فعلى المخرج القمح فقط وما بعد ذلك على الفقير، وإلا فمعلوم أن الفقير يفرح بالصحن الهريسة يوم العيد أكثر من فرحه بالقمح واللحم والدهن النئ لكون المطبوخ موافقا لسرور ذلك اليوم عكس القمح، فإنه يدخل على الفقير هما وشغل بال حتى يصلح للأكل فيفوته كمال السرور في ذلك اليوم.
ومن هنا قال بعض العارفين، إنما سمي العيد بذلك لعود ما كان مأمورا به في غيره من العبادة مباحا تركه أو لعود ما كان منهيا عنه مباحا فيه من نحو الغفلة والسهو، وعن