فاخرج يا أخي زكاة فطرك، ولا تبخل بشئ تبيعه من أمتعتك التي لا ضرورة إليها في ثمن زكاة فطرك، وتأمل نفسك وبذلها الدراهم الكثيرة للقاضي وحاشيته والمفتش وحاشيته إذا لم يمشوا لك حاجتك وحسابك الدنيوي، بل ترى الحظ الأوفر لنفسك في إعطائها كل ما طلبه الولاة، وذلك لتوفر داعية نفسك إلى محبة الدنيا دون الآخرة، بل لو قال لك قائل لا تبذل هذه الفلوس كلها في تحصيل تلك الوظيفة أو في تمشية ذلك الحساب لا ترجع إليه وتخالف رأيه، فهكذا يا أخي فليكن دينك عندك أرجح، فإن لم يكن راجحا على حب دنياك فلا أقل من المساواة.
وقد أجمع الأشياخ على أنه لا يقدر أحد يعامل الله تعالى للدار الآخرة حتى يرى الدنيا كلها في عينيه كالتراب لا يستكثر شيئا منها يبذله في مرضاة الله.
وقالوا: من كانت دنياه أعز عليه من دينه فهو أخس الناس مرتبة عند الله وعند خلقه، وإن عظمه أحد من الخلق فإنما ذلك لعلة دنيوية. فاعلم أنه ينبغي لكل من صار قدوة أن لا يتخلف عن فعل مأمور أو اجتناب منهي، وذلك لئلا يكون من أئمة الضلال والله إني لأخرج من البيت لصلاة الجماعة وقراءة الورد وأنا أحس بعظمي أنه ذائب، وربما أصطبغ في المجلس بين الفقراء وهم يقرءون الورد خوفا أن أتخلف فيتبعني بعض الكسالى على ذلك، فأكون معدودا من أئمة الضلال، أو يكون على وزر كل من تخلف بتخلفي، فلا يوجد أحد أتعب قلبا ولا جسدا ممن يطلب أن يكون قدوة للناس في الخير فإن القدوة إن بخل بخلوا، وإن تكرم تكرموا، وإن جبن عن الجهاد جبنوا، وإن تشجع تشجعوا، وإن أقام الليل قاموا، وإن نام الليل ناموا، وإن زهد في الدنيا زهدوا، وإن رغب في شهواتها رغبوا، وإن اغتاب الناس اغتابوا، وإن حفظ لسانه حفظوا، وإن أكل الحرام والشبهات أكلوا، وإن خزن الدنيا خزنوا، وإن أنفقها أنفقوا، وإن ناقش نفسه في دسائسها ناقشوا أنفسهم كذلك، وإن أهملها أهملوا، وإن تحمل أذى الناس تحمل أصحابه، وإن لم يتحمل لم يتحملوا، وإن ستر عورات الناس ستروا، وإن هتك عوراتهم هتك أصحابه كذلك تبعا له، وإن تواضع للناس تواضع أصحابه، وإن تكبر تكبروا وإن جلس على الحوانيت وأبواب المساجد جلس أصحابه كذلك، وإن جلس في خلوته جلس أصحابه في خلاواتهم؟؟ كذلك، وهكذا في سائر الأحوال، فالعاقل من اعتبر في نفسه ولم يكن عبرة لأحد.