غالب الناس يخل به حتى بعض المشايخ وبعض العلماء، فينبغي لكل شيخ في زاوية أو عالم في حارة أن يخرج زكاته قبل الناس ليقتدي الناس به فإنه قدوة لهم وقد صار في أفواه غالب الناس إذا قيل له افعل كذا أو كذا من الأمور التي أمره الله بها يقول قل هذا للعالم الفلاني فإننا ما رأيناه يفعل ذلك أبدا، فإذا قيل لهم إذا علمتم أنكم مأمورون به من جهة الشارع تعين عليكم فعله ولو لم يعمل به العلماء فيقولون فإذا كان العلماء لا يقدرون على العمل به فنحن أعجز فاعذرونا من باب أولى فإننا أنقص منهم درجة في الإيمان وغاب عن هؤلاء أن الحجة بفعل العالم لا تكون إلا فيما لم يصل إلينا علمه من الشارع أما ما وصل علمه إلينا فلا حجة لنا في تركه لترك غيرنا، وإنما ذلك حجة في قلة الدين.
وقد أدركنا ونحن صغار أبواب المساجد والقمح على أبوابها كالكيمان من كثرة من يخرج زكاته الآن لا ترى على باب مسجد شيئا من القمح إلا في نادر من المساجد كل ذلك لعدم اعتناء الناس بالأوامر الشرعية، وبذلك اندرست الشريعة فلا عالم يبدأ بالعمل قدام الناس ولا هو ينكر عليهم بالقلب والغالب، هكذا تخرج عظمة الله تعالى من قلوب هذه الأمة كما خرجت من قلوب بني إسرائيل، فعمهم الله بالعذاب.
وقد كنت أترخص في ترك إخراج زكاة فطري مدة عمري، لكوني ما ملكت قط نفقة يوم وليلة في ليلة العيد إلى أن دخلت سنة خمسين وتسعمائة، فرأيت في واقعة عقب العيد أنني في أرض فضاء واسعة وفيها خلق كثير معهم شئ كالأرائك التي يتكأ عليها وكل واحد يرمي أريكته نحو السماء فتصعد نحو أربعة أذرع وترجع إلى الأرض، فرميت أنا الآخر أريكتي فصعدت يسيرا ورجعت، فقلت لملك من الملائكة بجنبي ما هذا؟ فقال لي تنظر هذه الأرائك كلها وأصحابها؟ فقلت نعم: فقال هؤلاء الذين صاموا رمضان ولم يخرجوا زكاة فطرهم، فتطور صومهم كالأريكة جلدا محشوا لا روح فيه، فقلت له أنا لم أملك قوت يوم وليلة، فقال أما عندك قميص زائد؟ أما عندك رداء زائد؟ أما عندك قبقاب زائد؟ تبيع ذلك وتشتري به قمحا وتخرج به زكاتك، فقلت نعم فقال: فأخرج فإن مثلك لا ينبغي له الأخذ بالرخص، فتذكرت قبقابا جديدا كان عندي في صندوق أهداه لي بعض التجار فبعته وأخرجت زكاتي، ومن تلك السنة وأنا أخرج زكاتي وزكاة من تلزمني نفقته، وتقوى بذلك عندي الحديث الوارد في؟؟
أن صوم رمضان موقوف بين السماء والأرض حتى يخرج العبد صدقته.
فالحمد لله رب العالمين.