أو وجدناه ولم يفضل عنا فلا نؤمر بتفطير أحد من الصائمين عندنا، وهذا العهد يخل بالعمل به كثير ممن العلماء والصالحين الذين اشتهروا بالكرم فضلا عن غيرهم، فربما كان ما يطعمه أحدهم لإخوانه من جملة مال أيتام كان وصيا عليهم، فقد رأيت بعضهم أخذ أموال الأيتام وعمل بها أطعمة، ولا زال يعزم على وجوه العظم الذين يشكرونه في المجالس حتى أفنى المال كله، فجاء قيم الأيتام الذي نصبه الحاكم يطالبه فلم يجد معه شيئا فجاء الذين كانوا يأكلون عنده فشهدوا بإفلاسه.
وقد سمعته مرة يقول: قد خلت مصر من العلماء العاملين ومن الصالحين وما بقي أحد يتورع عن الحرام.
وسمعته مرة أخرى يقول: لا أحد يسمعني كلام أحد من هؤلاء الفقهاء أبدا فإنهم ليس لهم دين.
وسمعته مرة أخرى يقول: لو أن في مصر كلها أحدا بحمد الله أورع مني أعلم مني لتتلمذت له وقبلت نعاله اه.
فمثل هذا ممن * (زين له سوء عمله فرآه حسنا) *.
وذلك أن المؤمن مرآة المؤمن، ولا يرى الإنسان في المرآة، إلا صورته لا صورة المرآة، بل لو جهد كل الجهد أن ينظر جرم المرآة لا يقدر لسبق الطباع صورته في المرآة قبل نظره جرم المرآة.
وقد جاء رجل إلى أبي يزيد فقال يا سيدي رأيت صورتك الليلة صورة خنزير، فقال له لقد صدقت يا أخي، المؤمن مرآة المؤمن، رأيت صورتك في فحسبت أنك أنا.
فألزم يا أخي الورع في نفسك وفيمن تعول جهدك ولا تنبسط في شئ إلا بنية صالحة على الوجه الشرعي، وإياك أن تبادر إلى الفطر في رمضان عند من اشتهر بالعلم والصلاح حتى تخالطه وتعرف شدة ورعه، والله يتولى هداك.
[وهو يتولى الصالحين].
روى الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما مرفوعا:
" " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ " ".
وفي رواية: " " من غير أن ينقص من أجره شئ " ".