والظاهرة، لأن مجموع أهل هذه الحضرة أنبياء وملائكة وأولياء، وهؤلاء من شروطهم العصمة والحفظ من تناول الحرام والشبهات، فكل شيخ لم يصح له الحفظ في نفسه فهو عاجز عن توصيل غيره إلى تلك الحضرة، اللهم إلا أن يمن الله تعالى على بعض المريدين بالجذب دون السلوك المعهود فذلك لا مانع منه، فعلم أنه يجب على كل طالب علم لم يصل إلى الإخلاص أن يتخذ له شيخا يعلمه طريق الوصول إلى درجة الإخلاص، من باب: ما لا يتم الواجب فهو واجب قال تعالى:
* (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) *.
أي يقيموا الصلاة من العوج كالغفلة عن الله تعالى فيها، ويؤتوا الزكاة يعني بلا علة ثواب ولا خوف عقاب بل امتثالا لأمر الله تعالى كالوكيل في مال موكله.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من أقل درجات الإخلاص أن يكون في أعماله كالدابة المحملة، فهي تعبانة من ثقل أحمالها منكسة الرأس لا تعلم بنفاسة ما هي حاملته ولا بخسته ولا تعلم هو لمن، ولا إلى أين ينتهي حملها؟ ولا ترى لها بذلك فضلا على غيرها من الدواب، ولا تطلب على حملها أجرا.
وسمعته يقول: إذا راءى العبد بعلمه وعمله حبط عمله بنص الكتاب والسنة، وإذا حبط عمله فكأنه لم يعمل شيئا قط فكيف يرى نفسه بذلك على الناس مع توعده بعد الإحباط بالعذاب الأليم، فلينتبه طالب العلم لمثل ذلك.
قلت: وكذلك ينبغي للفقير المنقطع في كهف أو زاوية أن يتفقد نفسه في دعواها الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى، فإن رآها تستوحش من ترك تودد الناس إليها وغفلتهم عنها فهو كاذب في دعواه الانقطاع إلى الله تعالى، فإن الصادق يفرح إذا غفل عنه الناس ونسوه فلم يفتقدوه بهدية ولا سلام، ويفرح إذا انقلب أصحابه كلهم عنه واجتمعوا بشيخ آخر مرشد، كما بسطنا الكلام على ذلك في كتاب [عهود المشايخ]. والله أعلم.
مما رواه الأئمة في الإخلاص مرفوعا قوله صلى الله عليه وسلم:
من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة. فارقها والله عنه راض.
رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.