فأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بأكل الشهوات المباحة فهو كون الحق تعالى نعى أهل النار بأكلهم الشهوات بقوله تعالى * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون * ( وقالوا ما نعاه الله تعالى عن أهل النار وجزاهم عليه بالعذاب فالمؤمن أولى أن يتركه. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في قوله تعالى * (فسوف يلقون غيا هو واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود حذر وأنذر قومك من أكل الشهوات فإن قلوب أهل الشهوات عني محجوبة اه. والنوم كذلك بجامع الغفلة والحجاب عن الله تعالى إلا لضرورة وأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالنسيان فإنه لا يصح وقوعه من المريد إلا بعد تعاطيه مقدمات ذلك الأمر الذي نسيه من الغفلة والتهاون به بدليل ما قاله علماؤنا فيمن نسي الماء في رحله أو أضله فيه فلم يجده بعد الطلب فتيمم وصلى أنه يقضي ما صلاه بالتيمم نسبوه إلى التقصير في نسيانه وإضلاله وقالوا لو صلى بنجس لم يعلمه وجب القضاء في الجديد وإن علم به ثم نسي وجب القضاء على المذهب والنظائر كثيرة.
وكان الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه يقول إنما آخذ القوم المريد بالنسيان لأن مبنى طريقهم على الحضور الدائم مع الله عز وجل والنسيان عندهم نادر والنادر لا حكم له مع أن القاعدة الشرعية رفع حكم النسيان إلا ما استثني كتدارك ما نسيه من الصلاة وضمان ما أكله من طعام الغير بغير إذنه ناسيا ونحو ذلك ثم ليتأمل ذلك الناسي في نفسه في شدة اعتنائها بتحصيل أمر الدنيا وعدم وقوعه في نسيانه كما إذا وعده شخص بألف دينار يعطيها له في الوقت الفلان كيف يصير يتذكر ذلك لحظة بعد لحظة حتى يأتي وقته حرصا على سحت الدنيا فأراد أهل الله تعالى من المريد أن يقلب تلك الداعية التي عنده للدنيا ويجعلها لأمور الآخرة ليفوز بمجالسة الله تعالى في الدارين وأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالاحتلام فلأنه لم يقع منه إلا بعد مقدمات التساهل بالنظر إلى ما لا يحل غالبا أو التفكير فيه فلما عجز عن الوصول إليه حال النظر والتفكر