فعل مأمور واجتناب منهي أو مرغب في فعله أو تركه لأخذهم بالعزائم دون الترخيصات فترى أحدهم يفعل المندوب مع شدة الاعتناء به كأنه واجب ويجتنب المكروه كأنه حرام ويترك المباح كأنه مكروه ويفعل الأولى كأنه مستحب ويستغفر من فعل المكروه كأنه حرام ويتوب من فعل خلاف الأولى كأنه مكروه ويتوب من ترك المندوب كأنه واجب ومن القوم من يقلب المباح بالنية الصالحة إلى خير فيثاب عليه ثواب المندوب كأن ينوي بأكله التقوي على عبادة الله تعالى أو بنومه في النهار التقوي على قيام الليل عند من لم يصح عنده حديث استعينوا بالنوم في القيلولة على قيام الليل أما من صح عنده هذا الحديث فهو مستحب أصالة لا جعلا، وقد كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي يسمي النوم وردا ويقول لا أحد يوقظني من ورد النوم حتى أستيقظ بنفسي فعلم أن أهل الله تعالى من شأنهم أن لا يوجدوا إلا في فعل واجب وما ألحق به من المندوب والأولى أو في اجتناب منهي وما ألحق به من المكروه وخلاف الأولى فإياك يا أخي أن تبادر إلى الإنكار عليهم إذا رأيت أحد منهم يأخذ العهد على مريد بتركه المباح وتقول كيف يأخذ العهد على مريده بترك المباح مع أن الشارع أباحه له فإنك في واد وأهل الله في واد وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعض أهله عن فعل المباح فنهى فاطمة رضي الله عنها عن لبس الحرير والذهب مع أنه صلى الله عليه وسلم أباحهما لإناث أمته وقال:
يا فاطمة من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ونهى صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الأكل في يوم واحد مرتين وقال لها:
أكلتان في النهار إسراف والله لا يحب المسرفين مع أنه صلى الله عليه وسلم أباح لأمته أن يجمعوا كل يوم بين الغداء والعشاء بل هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم رحمة بالضعفاء من أمته وقد عمل القوم على نحو ذلك مع المريدين الصادقين فاخذوا المريد بتناوله الشهوات المباحة وبوضعه جنبه إلى الأرض من غير ضرورة وبالأكل من غير جوع وبالنسيان وبالاحتلام، وكذلك آخذوه بمد رجله في ليل أو نهار إلا لضرورة إلى غير ذلك ولهم في ذلك أدلة يستندون إليها