نيل الأوطار - الشوكاني - ج ٦ - الصفحة ٨٢
يقال له جار، كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة، وبهذا يندفع ما قيل: إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا. قال ابن المنير: ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد، ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه، ثم ساق الحديث الآتي، فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لأبي رافع قبل أن يشتري منه، داره لا شريكا ، كذا قال الحافظ. وقال أيضا: إنه ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته، ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك. وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد، وقد قامت القرينة هنا على المجاز، فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك، والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا، ثم المشارك في الشرب، ثم المشارك في الطريق، ثم الجار على من ليس بمجاور، وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له. قال في القاموس: الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم، والمجير والمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه. (والحاصل) أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشئ والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جمعا، وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له، فيخصصان عموم أحاديث الجار، ولكنه يشكل على هذا حديث الشريد بن سويد، فإن قوله: ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار، وكذلك حديث سمرة لقوله فيه:
جار الدار أحق بالدار فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه، ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح، على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ: إذا كان طريقهما واحدا فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا إن قال بصحة هذا الحديث، وقد قال بهذا أعني
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست