قوة المفسدة وضعفها، هذا جملة ما ذكر من الوجوه في تفسير الحديث. قوله: من اقتطع فيه استعارة شبه من أخذ ملك غيره ووصله إلى ملك نفسه بمن اقتطع قطعة من شئ يجري فيه القطع الحقيقي. وأحاديث الباب تدل على تغليظ عقوبة الظلم والغصب وإن ذلك من الكبائر، وتدل على أن تخوم الأرض تملك، فيكون للمالك منع من رام أن يحفر تحتها حفيرة. قال في الفتح: إن الحديث يدل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه، وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره. وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض، لأنها لو فتقت لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها، أشار إلى ذلك الداودي وفيه أن الأرضين السبع أطباق كالسماوات وهو ظاهر قوله تعالى: * (ومن الأرض مثلهن) * (سورة الطلاق، الآية: 12) خلافا لمن قال: إن المراد بقوله: سبع أرضين سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من إقليم آخر قاله ابن التين، وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان سببها، وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروها اه.
وعن الأشعث بن قيس أن رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي: يا رسول الله أرضي اغتصبها هذا وأبوه، فقال الكندي: يا رسول الله أرضي ورثتها من أبي، فقال الحضرمي: يا رسول الله استحلفه أنه ما يعلم أنها أرضي وأرض والدي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لا يقتطع عبد أو رجل بيمينه مالا إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم، فقال الكندي: هي أرضه وأرض والده رواه أحمد.
الحديث رواه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن سلام المسبحي له غرائب وبقية رجاله رجال الصحيح. وللأشعث أيضا حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده ضعيف، وقصة الحضرمي والكندي سيأتي ذكرها في باب استحلاف المنكر من كتاب الأقضية من حديث وائل بن حجر عند مسلم في صحيحه والترمذي وصححه بنحو ما هنا، ولعله يأتي الكلام عليه هنالك إن شاء الله. قال في التلخيص: والحضرمي هو وائل بن حجر، والكندي هو امرؤ القيس بن عابس واسمه ربيعة اه، وفيه نظر، فإنه سيأتي عن وائل بن حجر في