وابن عبد البر عن الزهري أن عمر قال: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرددتها وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه، وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره، ويجاب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع الاجماع منهم ولم يقع ههنا، وأيضا هذا الأثر منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر، فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره.
وقد حكي في البحر عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ إلا بعد القبض، وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها القبض، ويجاب بأنه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع وإلحاقه بالصدقة إلحاق مع الفارق. قوله: من يشتري بئر رومة بضم الراء وسكون الواو. وفي رواية للبغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه أنها كانت للرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال: نعم، قال: قد جعلتها للمسلمين. وللنسائي من طريق الأحنف عن عثمان قال: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق: أن عثمان قال ذلك وهو محصور، وصدقه جماعة منهم علي بن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص. قوله: فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف، ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره. قال في الفتح:
ويستنبط منه صحة الوقف عن النفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه، وقال به ابن شعبان من المالكية وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته. ومن الشافعية ابن سريج وطائفة، وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما، واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة، وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. ووجه الاستدلال به أنه أخرجها من ملكه